فصل: (بَابُ الْإِقَالَةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير للعاجز الفقير



.(بَابُ الْإِقَالَةِ):

(الْإِقَالَةُ جَائِزَةٌ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ) لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»؛ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ حَقُّهُمَا فَيَمْلِكَانِ رَفْعَهُ دَفْعًا لِحَاجَتِهِمَا (فَإِنْ شَرَطَا أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَقَلَّ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَيَرُدُّ مِثْلَ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ).
وَالْأَصْلُ أَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ جَعْلُهُ فَسْخًا فَتَبْطُلُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ بَيْعٌ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ جَعْلُهُ بَيْعًا فَيُجْعَلُ فَسْخًا إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ فَتَبْطُلُ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ فَسْخٌ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهُ فَسْخًا فَيُجْعَلُ بَيْعًا إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ فَتَبْطُلُ.
لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ اللَّفْظَ لِلْفَسْخِ وَالرَّفْعِ.
وَمِنْهُ يُقَالُ: أَقِلْنِي عَثَرَاتِي فَتُوَفِّرُ عَلَيْهِ قَضِيَّتَهُ.
وَإِذَا تَعَذَّرَ يُحْمَلُ عَلَى مُحْتَمَلِهِ وَهُوَ الْبَيْعُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ بَيْعٌ فِي حَقِّ الثَّالِثِ: وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي.
وَهَذَا هُوَ حَدُّ الْبَيْعِ وَلِهَذَا يَبْطُلُ بِهَلَاكِ السِّلْعَةِ وَيُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَتَثْبُتُ بِهِ الشُّفْعَةُ وَهَذِهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ اللَّفْظَ يُنْبِئُ عَنْ الرَّفْعِ وَالْفَسْخِ كَمَا قُلْنَا، وَالْأَصْلُ إعْمَالُ الْأَلْفَاظِ فِي مُقْتَضَيَاتِهَا الْحَقِيقِيَّةِ وَلَا يُحْتَمَلُ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ لِيُحْمَلَ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ وَاللَّفْظُ لَا يَحْتَمِلُ ضِدَّهُ فَتَعَيَّنَ الْبُطْلَانُ، وَكَوْنُهُ بَيْعًا فِي حَقِّ الثَّالِثِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ مِثْلُ حُكْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمِلْكُ لَا مُقْتَضَى الصِّيغَةِ، إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا، إذَا ثَبَتَ هَذَا نَقول: إذَا شَرَطَ الْأَكْثَرَ فَالْإِقَالَةُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ عَلَى الزِّيَادَةِ، إذْ رَفْعُ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا مُحَالٌ فَيَبْطُلُ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا فِي الْعَقْدِ فَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا أَوْ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا فِي الرَّفْعِ، وَكَذَا إذَا شَرَطَ الْأَقَلَّ لِمَا بَيَّنَّاهُ إلَّا أَنْ يَحْدُثَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ فَحِينَئِذٍ جَازَتْ الْإِقَالَةُ بِالْأَقَلِّ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ يُجْعَلُ بِإِزَاءِ مَا فَاتَ بِالْعَيْبِ، وَعِنْدَهُمَا فِي شَرْطِ الزِّيَادَةِ يَكُونُ بَيْعًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ جَعْلُهُ بَيْعًا مُمْكِنٌ فَإِذَا زَادَ كَانَ قَاصِدًا بِهَذَا ابْتِدَاءَ الْبَيْعِ، وَكَذَا فِي شَرْطِ الْأَقَلِّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ فَسْخٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ لَا سُكُوتٌ عَنْ بَعْضِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ سَكَتَ عَنْ الْكُلِّ وَأَقَالَ يَكُونُ فَسْخًا فَهَذَا أَوْلَى، بِخِلَافِ مَا إذَا زَادَ، وَإِذَا دَخَلَهُ عَيْبٌ فَهُوَ فَسْخٌ بِالْأَقَلِّ لِمَا بَيَّنَّاهُ.
الشَّرْحُ:
(بَابُ الْإِقَالَةِ):
مُنَاسَبَتُهُ الْخَاصَّةُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْمَكْرُوهِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ فَاسِدًا أَوْ مَكْرُوهًا وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مَنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الرُّجُوعُ إلَى مَا كَانَ لَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ صَوْنًا لَهُمَا عَنْ الْمَحْظُورِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالْإِقَالَةِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ، وَهُوَ مُصَرِّحٌ بِوُجُوبِ التَّفَاسُخِ فِي الْعُقُودِ الْمَكْرُوهَةِ السَّابِقَةِ، وَهُوَ حَقٌّ لِأَنَّ رَفْعَ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.
وَأَيْضًا الْإِقَالَةُ بَيَانُ كَيْفَ يُرْفَعُ الْعَقْدُ وَهُوَ يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ ثُبُوتِهِ وَأَبْوَابُ الْبِيَاعَاتِ السَّابِقَةِ كُلُّهَا مَعَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْمَكْرُوهِ بَيَانُ كَيْفَ يَثْبُتُ فَأَعْقَبَ الرَّفْعَ مُعْظَمُ أَبْوَابِ الْإِثْبَاتِ.
ثُمَّ قِيلَ: الْإِقَالَةُ مِنْ الْقول، وَالْهَمْزَةُ لِلسَّلْبِ، فَأَقَالَ بِمَعْنَى أَزَالَ الْقول: أَيْ الْقول الْأَوَّلَ وَهُوَ الْبَيْعُ كَأَشْكَاهُ أَزَالَ شِكَايَتَهُ وَدُفِعَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا قُلْتُهُ بِالْكَسْرِ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَيْنَهُ يَاءٌ لَا وَاوٌ فَلَيْسَ مِنْ الْقول؛ وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ الْإِقَالَةِ فِي الصِّحَاحِ مِنْ الْقَافِ مَعَ الْيَاءِ لَا مَعَ الْوَاوِ، وَأَيْضًا ذَكَرَ فِي مَجْمُوعِ اللُّغَةِ: قَالَ الْبَيْعُ قَيْلًا وَإِقَالَةً فَسَخَهُ.
قولهُ: (الْإِقَالَةُ جَائِزَةٌ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ) عَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ (لِقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ») أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ» زَادَ ابْنُ مَاجَه: «يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَأَمَّا لَفْظُ «نَادِمًا» فَعِنْدَ الْبَيْهَقِيّ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلِأَنَّ الْعَقْدَ حَقُّهُمَا فَيَمْلِكَانِ رَفْعَهُ دَفْعًا لِحَاجَتِهِمَا) الَّتِي لَهَا شُرِعَ الْبَيْعُ وَغَيْرُهُ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ النَّصَّ الْمَذْكُورَ وَالْمَعْنَى إنَّمَا يُفِيدُ مُجَرَّدَ جَوَازِ الْإِقَالَةِ، وَأَمَّا لُزُومُ كَوْنِهِ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ بِعَيْنِهِ فَلِوَجْهٍ يُفِيدُهُ الْمَعْنَى الَّذِي مَهَّدَهُ بِقولهِ (وَالْأَصْلُ) أَيْ الْأَصْلُ فِي لُزُومِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ حَتَّى يَبْطُلَ الْأَقَلُّ وَالْأَكْثَرُ (أَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) وَحَقِيقَةُ الْفَسْخِ لَيْسَ إلَّا رَفْعُ الْأَوَّلِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَيَثْبُتُ الْحَالُ الْأَوَّلُ، وَثُبُوتُ الْحَالِ الْأَوَّلِ هُوَ بِرُجُوعِ عَيْنِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ إلَى مَالِكِهِ كَأَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوُجُودِ غَيْرُهُ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ تَعْيِينَ الْأَوَّلِ وَنَفْيَ غَيْرِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَخِلَافُ الْجِنْسِ وَالْأَجَلِ، نَعَمْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُمَا يَنْفُذُ عَلَى غَيْرِهِمَا جُعِلَ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِمَا بَيْعًا فَيُعْطَى بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِمَا حُكْمَ الْبَيْعِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ.
(فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهُ فَسْخًا) كَأَنْ وُلِدَتْ الْمَبِيعَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَكَمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَرْضًا بِالدَّرَاهِمِ فَهَلَكَ (تَبْطُلُ، هَذَا قول أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هِيَ بَيْعٌ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ بَيْعًا) بِأَنْ وَقَعَتْ الْإِقَالَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي مَبِيعٍ مَنْقول فَتُجْعَلُ فَسْخًا.
فَإِنْ تَعَذَّرَ كَوْنُهَا بَيْعًا وَفَسْخًا كَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَرْضَا بِالدَّرَاهِمِ فَتَقَايَلَا بَعْدَ هَلَاكِ الْعَرْضِ فَحِينَئِذٍ تَبْطُلُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قُلِبَ قول أَبِي يُوسُفَ فَهِيَ فَسْخٌ إلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ فَبَيْعٌ إلَّا إنْ تَعَذَّرَ فَتَبْطُلُ؛ وَالْعَجَبُ أَنَّ قول أَبِي يُوسُفَ كَقول أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَنَّ الْإِقَالَةَ تَصِحُّ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْتَقْبَلٌ، كَمَا لَوْ قَالَ أَقِلْنِي فَقَالَ أَقَلْتُك مَعَ أَنَّهَا بَيْعٌ عِنْدَهُ وَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ بِذَلِكَ عَلَى مَا سَلَفَ.
وَمُحَمَّدٌ يَقول إنَّهَا فَسْخٌ وَيَقول: لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِالْمُضِيِّ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهَا كَالْبَيْعِ فَأُعْطِي بِسَبَبِ الشَّبَهِ حُكْمَ الْبَيْعِ، وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ لَمْ يُعْطِ حُكْمَهُ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَمَةَ لَا تَجْرِي فِي الْإِقَالَةِ، فَحَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى التَّحْقِيقِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، هَكَذَا فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ، وَذَكَرَ فِي الدِّرَايَةِ، وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ أَنَّ قول أَبِي حَنِيفَةَ كَقول مُحَمَّدٍ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ اخْتَارُوا قول مُحَمَّدٍ، وَلَا يَتَعَيَّنُ مَادَّةُ قَافٍ لَامٍ بَلْ لَوْ قَالَ تَرَكْت الْبَيْعَ وَقَالَ الْآخَرُ رَضِيت أَوْ اخْتَرْت تَمَّتْ، وَيَجُوزُ قَبُولُ الْإِقَالَةِ دَلَالَةً بِالْفِعْلِ، كَمَا إذَا قَطَعَهُ قَمِيصًا فِي فَوْرِ قول الْمُشْتَرِي أَقَلْتُك وَتَنْعَقِدُ بِفَاسَخْتُكَ وَتَارَكْت، وَجْهُ قول مُحَمَّدٍ (أَنَّ اللَّفْظَ) أَيْ لَفْظَ الْإِقَالَةِ وُضِعَ (لِلْفَسْخِ وَالرَّفْعِ) بِدَلِيلِ الِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّهُ (يُقَالُ: أَقِلْنِي عَثْرَتِي) بِمَعْنَى أَسْقِطْ أَثَرَهَا بِاعْتِبَارِهَا عَدَمًا بَعْدَ وُجُودِهَا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْفَسْخِ إذْ حَقِيقَتُهُ رَفْعُ الْوَاقِعِ عَنْ أَنْ يَكُونَ وَاقِعًا غَيْرُ مُمْكِنٍ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الْوُجُودِ (فَيُوَفِّرُ عَلَيْهِ قَضِيَّتَهُ، وَإِذَا تَعَذَّرَ) الْفَسْخُ (يُحْمَلُ عَلَى مُحْتَمَلِهِ وَهُوَ الْبَيْعُ، وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي، وَهَذَا هُوَ حَدُّ الْبَيْعِ) وَخُصُوصُ اللَّفْظِ لَا عِبْرَةَ بِهِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ فِيهِ الثَّمَنَ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ كَمَا فِي التَّوْلِيَةِ وَأَخْذِ الدَّار بِالشُّفْعَةِ (وَلِهَذَا تَبْطُلُ) الْإِقَالَةُ (بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ) بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الرَّدِّ، وَوَجَبَ لِلَّذِي كَانَ بَائِعًا الرَّدُّ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي.
(وَهَذِهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ) فَإِذَا تَرَتَّبَتْ عَلَى شَيْءٍ كَانَ بَيْعًا، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهُ بَيْعًا كَمَا إذَا وَقَعَتْ فِي مَنْقول قَبْلَ قَبْضِهِ صِرْنَا إلَى مَجَازِهِ بِجَعْلِهِ فَسْخًا تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ مَا أَمْكَنَ، وَكَوْنُهُ لَا يُبْتَدَأُ عَقْدُ الْبَيْعِ بِإِنْشَائِهِ بِهِ مَمْنُوعٌ عَلَى قول بَعْضِ الْمَشَايِخ، فَإِنَّهُ يَقول: يَجُوزُ أَنْ يُعْقَدَ الْبَيْعُ ابْتِدَاءً بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ، وَانْتِفَاؤُهُ فِي الصَّحِيحِ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ الْبَيْعِ، وَهَذَا بَيْعٌ هُوَ فَرْعُ بَيْعٍ سَابِقٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ سَبْقِهِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ اللَّفْظَ يُنْبِئُ عَنْ الرَّفْعِ) عَلَى مَا قُلْنَا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَالْأَصْلُ إعْمَالُ الْأَلْفَاظِ فِي مُقْتَضَيَاتِهَا الْحَقِيقِيَّةِ) وَكَوْنُهُ يَثْبُتُ بِهِ لَوَازِمُ الْبَيْعِ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْهَلَاكِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ثَالِثٍ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ مِنْ حَقِيقَتِهِ، إذْ اللَّوَازِمُ قَدْ تَكُونُ عَامَّةً تَتَرَتَّب عَلَى حَقِيقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فَلَا تَكُونُ الْإِقَالَةُ بَيْعًا لِذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ: فَتَكُونُ بَيْعًا لِثُبُوتِ حَقِيقَةِ مَعْنَى الْبَيْعِ فِيهَا وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي لَا لِثُبُوتِ اللَّوَازِمِ الْخَارِجِيَّةِ، قُلْنَا: إنَّمَا نُرِيدُ بِالْبَيْعِ مَا كَانَ مُفِيدًا لِهَذِهِ الْمُبَادَلَةِ ابْتِدَاءً لَا تَرَاجُعًا بِطَرِيقِ الرَّفْعِ حُكْمًا عَلَى الشَّرْعِ بِذَلِكَ: أَيْ بِأَنَّهُ وُضِعَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَإِلَّا رَجَعَ إلَى مُجَرَّدِ الِاصْطِلَاحِ، عَلَى أَنَّ مُسَمَّى لَفْظِ الْبَيْعِ هُوَ الْمُبَادَلَةُ مُطْلَقًا شَرْعًا أَوْ بِقَيْدِ أَنْ لَا يَكُونَ تَرَاجُعًا، وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الِاصْطِلَاحِ فِي الْأَلْفَاظِ، بَقِيَ أَمْرٌ آخَرُ هُوَ أَنَّهَا لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِي الْبَيْعِ مَجَازًا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْفَسْخِ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ أَجَابَ عَنْهُ بِقولهِ (وَلَا يَحْتَمِلُ ابْتِدَاءَ الْبَيْعِ لِيُحْمَلَ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الرَّفْعَ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ (ضِدُّهُ) أَيْ ضِدُّ الْعَقْدِ أَوْ نَقِيضُهُ فَلَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ.
وَهَذَا طَرِيقُ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ فِي الضِّدِّ إنَّمَا يَكُونُ لِتَهَكُّمٍ أَوْ تَمْلِيحٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْفِقْهِ أَوْ يَكُونُ لِمُشَاكَلَتِهِ لِلَفْظٍ وَقَعَ فِي صُحْبَتِهِ كَـ: {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ}، وَلَيْسَ هُنَا ذَلِكَ (فَتَعَيَّنَ الْبُطْلَانُ، وَكَوْنُهُ بَيْعًا فِي حَقٍّ ثَالِثٍ) لَيْسَ بِاعْتِبَارِ جَعْلِنَا إيَّاهُ مَجَازًا عَنْهُ، وَلَكِنْ (لِأَمْرٍ ضَرُورِيٍّ) وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ (بِهِ مِثْلُ حُكْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمِلْكُ) بِبَدَلٍ ظَهَرَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا لِيَصْرِفَا مُوجَبَ الْبَيْعِ عَنْهُ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِمَا وَيَظْهَرُ بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، وَلِئَلَّا يَفُوتَ مَقْصُودُ الشَّارِعِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَالشُّفْعَةِ شُرِعَتْ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ أَوْ الْخِلْطَةِ، فَإِذَا فُرِضَ ثُبُوتُ ذَلِكَ فِي عَوْدِهَا إلَى الْبَائِعِ وَلَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الشُّفْعَةِ تَخَلَّفَ مَقْصُودُهُ.
قولهُ: (إذَا ثَبَتَ هَذَا) أَيْ هَذَا الْخِلَافُ فِي هَذَا الْأَصْلِ (فَنَقول تَفْرِيعًا عَلَيْهِ) إذَا شَرَطَا (فِي الْإِقَالَةِ) الْأَكْثَرَ (كَأَنْ تَقَايَلَا عَلَى مِائَةٍ) وَالْبَيْعُ بِخَمْسِينَ (فَالْإِقَالَةُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَبْطُلُ شَرْطُ الزِّيَادَةِ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ؛ وَإِنَّمَا بَطَلَ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ رَفْعُ مَا كَانَ لَا رَفْعُ مَا لَمْ يَكُنْ.
(لِأَنَّ رَفْعَ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا مُحَالٌ) وَلَمْ يَكُنْ الثَّابِتُ الْعَقْدَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ فَلَا يُتَصَوَّرُ رَفْعُهُ عَلَى مِائَةٍ، تَوْضِيحُهُ أَنَّ رَفْعَهُ عَلَى مِائَةٍ تَرْجِعُ إلَى الْمُشْتَرِي وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْوُجُودِ الْعَقْدُ بِمِائَةٍ رَفْعُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وُجُودٌ فَلَا رَفْعَ أَصْلًا إلَّا أَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ لَهُ وُجُودٌ، وَإِيَّاهُ عَنَيَا بِالْإِقَالَةِ، غَيْرَ أَنَّهُمَا زَادَاهُ شَرْطًا فَاسِدًا فَيَثْبُتُ الرَّفْعُ بِرَفْعِهِمَا وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ الَّذِي زَادَاهُ (بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا فِيهِ وَيَتَحَقَّقُ بِهِ الرِّبَا) وَيَصِيرُ بَيْعًا فَاسِدًا فَلَا يُتَصَوَّرُ إثْبَاتُهَا فِي الرَّفْعِ (وَكَذَا إذَا شَرَطَ الْأَقَلَّ) عِنْدَهُ يَصِحُّ بِقَدْرِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ (لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَبْطُلُ هُوَ وَيَثْبُتُ قَدْرُ الْأَوَّلِ (إلَّا أَنْ) يَكُونَ (حَدَثَ بِالْمَبِيعِ عَيْبٌ) فَيَصِحُّ بِالنُّقْصَانِ جَعْلًا لَلْحَطّ بِإِزَاءِ مَا فَاتَ بِالْعَيْبِ (وَعِنْدَهُمَا فِي شَرْطِ الزِّيَادَةِ يَكُونُ بَيْعًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَعَذَّرَ الْفَسْخُ عَلَى الزِّيَادَةِ فَجُعِلَ بَيْعًا، وَكَذَا فِي شَرْطِ الْأَقَلِّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ.
(وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ فَسْخٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ) بِاعْتِبَارِهِ مُرِيدًا لِلْأَوَّلِ لَكِنَّهُ سَكَتَ عَنْ بَعْضِهِ (وَلَوْ سَكَتَ عَنْ الْكُلِّ) بِأَنْ قَالَ أَقَلْتُك (يَكُونُ فَسْخًا) عَلَيْهِ، فَإِذَا سَكَتَ عَنْ بَعْضِهِ (أَوْلَى)، بِخِلَافِ مَا إذَا زَادَ، وَلَوْ دَخَلَهُ عَيْبٌ فَهُوَ فَسْخٌ بِالْأَقَلِّ (لِمَا بَيَّنَّا) مِنْ جَعْلِ الْحَطِّ بِإِزَاءِ مَا نَقَصَ مِنْ الْعَيْبِ.
فَرْعٌ:
بَاعَ صَابُونًا رَطْبًا ثُمَّ تَقَايَلَا بَعْدَمَا جَفَّ فَنَقَصَ وَزْنُهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْبَيْعِ بَاقٍ.

متن الهداية:
وَلَوْ أَقَالَ بِغَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَهُوَ فَسْخٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَجْعَلُ التَّسْمِيَةَ لَغْوًا عِنْدَهُمَا بَيْعٌ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ وَلَدًا ثُمَّ تَقَايَلَا فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَهُ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَانِعٌ مِنْ الْفَسْخِ، وَعِنْدَهُمَا تَكُونُ بَيْعًا وَالْإِقَالَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَنْقول، وَغَيْرِهِ فَسْخٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، كَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَنْقول لِتَعَذُّرِ الْبَيْعِ، وَفِي الْعَقَارِ يَكُونُ بَيْعًا عِنْدَهُ لِإِمْكَانِ الْبَيْعِ، فَإِنَّ بَيْعَ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ عِنْدَهُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَوْ أَقَالَ بِغَيْرِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ) بِأَنْ كَانَ دَرَاهِمَ فَأَقَالَ عَلَى دَنَانِيرَ تَبْلُغُ قِيمَتُهَا قَدْرَهَا (فَهُوَ فَسْخٌ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَتُجْعَلُ التَّسْمِيَةُ لَغْوًا، وَعِنْدَهُمَا بَيْعٌ لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَيْعٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهُ فَسْخًا جُعِلَ بَيْعًا.
قولهُ: (وَلَوْ وَلَدَتْ الْمَبِيعَةُ وَلَدًا) يَعْنِي بَعْدَ الْقَبْضِ (ثُمَّ تَقَايَلَا فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ) زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ وَالزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ إذَا كَانَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ يَتَعَذَّرُ مَعَهَا الْفَسْخُ حَقًّا لِلشَّرْعِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الزِّيَادَةَ مُتَّصِلَةً كَانَتْ كَالسِّمَنِ أَوْ مُنْفَصِلَةً كَالْوَلَدِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ إذَا كَانَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ وَالرَّفْعَ، وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ مُتَّصِلَةً فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ مَعَهَا، وَالْإِقَالَةُ لَا تَصِحُّ عَلَى قولهِ إلَّا فَسْخًا (وَعِنْدَهُمَا تَكُونُ بَيْعًا) وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْخِلَافِ أَنَّهُمَا لَوْ تَقَايَلَا فِي مَنْقول فَقَبِلَ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ مِنْ الْمُشْتَرِي بَاعَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي ثَانِيًا جَازَ الْبَيْعُ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ لَا الْفَسْخُ، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ.
وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَنْقول جَازَ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي فِي قول أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَثَمَرَةُ كَوْنِهَا بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فِي مَوَاضِعَ أَيْضًا: مِنْهَا أَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ كَانَ عَقَارًا لَهُ شَفِيعٌ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ ثُمَّ تَقَايَلَا وَعَادَ إلَى مِلْكِ الْبَائِع لِلشَّفِيعِ أَنْ يَطْلُبَ الشُّفْعَةَ فِي الْإِقَالَةِ اتِّفَاقًا، وَمِنْهَا أَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ كَانَ صَرْفًا كَانَ التَّقَابُضُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْإِقَالَةِ لِإِقَالَةِ مُسْتَحِقِّ الشَّرْعِ فَكَانَتْ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الشَّرْعِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَقَبَضَهُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَبَاعَهُ مِنْ آخَرَ ثُمَّ تَقَايَلَا وَعَادَ إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ قَبْلَ النَّقْدِ جَازَ وَيُجْعَلُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ كَأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ، وَمِنْهَا أَنَّ السِّلْعَةَ لَوْ كَانَتْ هِبَةً فِي يَدِ الْبَائِعِ ثُمَّ تَقَايَلَا فَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الْبَائِعَ فِي حَقِّ الْوَاهِبِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ.

متن الهداية:
(قَالَ وَهَلَاكُ الثَّمَنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ مِنْهَا)؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْبَيْعِ يَسْتَدْعِي قِيَامَهُ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْبَيْعِ دُونَ الثَّمَنِ (فَإِنْ هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ جَازَتْ الْإِقَالَةُ فِي الْبَاقِي)؛ لِقِيَامِ الْبَيْعِ فِيهِ، وَإِنْ تَقَايَضَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا وَلَا تَبْطُلُ بِهَلَاكِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ فَكَانَ الْمَبِيعُ بَاقِيًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَهَلَاكُ الثَّمَنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقَالَةِ وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ مِنْهَا) وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمَبِيعَ مَالٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ مُتَعَيِّنٌ، بِخِلَافِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا لَيْسَ بِمَالٍ بَلْ دَيْنٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فِيمَا إذَا لَمْ يَشْرَعْ إلَى نَقْدٍ، وَإِمَّا مَالٌ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً فِيمَا إذَا أَشَارَ إلَيْهِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ بَلْ بِمِثْلِهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَالدَّيْنُ مَالٌ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً، وَلِذَا كَانَتْ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ تَصِحُّ بِلَا قَبُولٍ لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ غَيْرَ أَنَّهَا تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ لِلْمَالِيَّةِ الْحُكْمِيَّةِ، وَهِبَةُ الْعَيْنِ لَا تَصِحُّ بِلَا قَبُولٍ بِحَالٍ، وَلَا تَتَأَدَّى زَكَاةُ الْعَيْنِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ، أَنْقَصُ مِنْ الْعَيْنِ فِي الْمَالِيَّةِ وَلَا يَتَأَدَّى الْكَامِلُ بِالنَّاقِصِ، وَلِذَا لَمْ يَحْنَثْ مَنْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ دُيُونٌ عِظَامٌ، وَإِذَا كَانَ لِلْمَبِيعِ هَذِهِ الْمَزِيَّةُ وَجَبَ إظْهَارُهَا، وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ إلَى الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ سَوَاءٌ، فَأَظْهَرْنَاهَا فِي الْبَقَاءِ فَجَعَلْنَا بَقَاءَ الْبَيْعِ حُكْمًا مُضَافًا إلَى قِيَامِ الْمَبِيعِ، فَإِذَا هَلَكَ ارْتَفَعَ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ الدَّرَاهِمُ بَاقِيَةً فَامْتَنَعَتْ الْإِقَالَةُ، إذْ رَفْعُ مَا لَا وُجُودَ لَهُ لَا يُتَصَوَّرُ.
وَإِنَّمَا جَازَتْ الْإِقَالَةُ فِيمَا إذَا كَانَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ عَرْضًا مُعَيَّنًا وَقَبَضَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ ثُمَّ هَلَكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ السَّلَمَ فِي هَذَا كَبَيْعِ الْمُقَايَضَةِ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ شَرْعًا مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فَقَدْ اعْتَبَرَ الْعَيْنَ ثَمَنًا وَالدَّيْنَ عَيْنًا مَبِيعًا، وَلِذَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَجَازَتْ الْإِقَالَةُ، وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْهَالِكِ أَوْ مِثْلَهُ فِي الْإِقَالَةِ كَمَا فِي حَقِيقَةِ الْمُقَايَضَةِ كَمَا سَنَذْكُرُ، أَمَّا لَوْ تَقَايَلَا وَالْبَدَلَانِ قَائِمَانِ ثُمَّ هَلَكَ أَحَدُهُمَا أَيًّا كَانَ فَالْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْهَالِكِ أَوْ مِثْلُهُ (وَلَوْ هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ جَازَتْ الْإِقَالَةُ فِي الْبَاقِي لِقِيَامِ الْبَيْعِ فِيهِ).
قولهُ: (وَلَوْ تَقَايَضَا) بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ: أَيْ تَبَايَعَا بَيْعَ الْمُقَايَضَةِ فَهَلَكَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ (جَازَتْ الْإِقَالَةُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَبِيعٌ) مِنْ وَجْهٍ (فَكَانَ الْبَيْعُ بَاقِيًا) بِبَقَاءِ الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ مِنْهُمَا فَأَمْكَنَ الرَّفْعُ فِيهِ، وَعَلَيْهِ تَفَرَّعَ مَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَمَةٍ وَتَقَابَضَا ثُمَّ إنَّ مُشْتَرِيَ الْعَبْدِ بَاعَ نِصْفَهُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ أَقَالَ الْبَيْعَ فِي الْأَمَةِ جَازَتْ الْإِقَالَةُ وَعَلَيْهِ لِبَائِعِ الْعَبْدِ قِيمَةُ الْعَبْدِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَبِعْ وَلَكِنْ قُطِعَتْ يَدُ الْعَبْدِ وَأَخَذَ الْأَرْشَ ثُمَّ أَقَالَ الْبَيْعَ فِي الْأَمَةِ، وَلَوْ هَلَكَ الْبَدَلَانِ قَبْلَ الْإِقَالَةِ ارْتَفَعَ الْبَيْعُ فَامْتَنَعَتْ الْإِقَالَةُ، أَمَّا لَوْ تَقَايَلَا بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا وَصَحَّتْ الْإِقَالَةُ ثُمَّ هَلَكَ الْآخَرُ قَبْلَ الرَّدِّ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ أَيْضًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُقَايَضَةِ وَالصَّرْفِ فَإِنَّ هَلَاكَ الْبَدَلَيْنِ فِي الصَّرْفِ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الْإِقَالَةِ، وَفِي الْمُقَايَضَةِ مَانِعٌ أَنَّهُ فِي الصَّرْفِ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَقْبُوضِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ بَلْ رَدُّهُ أَوْ مِثْلُهُ فَلَمْ تَتَعَلَّقْ الْإِقَالَةُ بِعَيْنِهِمَا فَلَا تَبْطُلْ بِهَلَاكِهِمَا، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْبِيَاعَاتِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ، وَلَوْ تَقَايَلَا السَّلَمَ وَرَأْسَ الْمَالِ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ قَائِمٌ فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَدُّهُ، وَإِنْ كَانَ هَالِكًا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ رَدُّ مِثْلِهِ.
وَلَوْ تَقَايَلَاهُ بَعْدَمَا قَبَضَ الْمُسْلَمَ فِيهِ وَهُوَ قَائِمٌ فِي يَدِ رَبِّ السَّلَمِ صَحَّتْ وَعَلَى رَبِّ السَّلَمِ رَدُّ عَيْنِ مَا قَبَضَهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِعَقْدِ السَّلَمِ وَإِنْ كَانَ عَقْدًا عَلَى دَيْنٍ كَعَيْنٍ وَرَدَّ عَلَيْهَا الْعَقْدَ وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى رَأْسِ الْمَالِ ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فُرُوعٌ:
مَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ يَمْنَعُ الْإِقَالَةَ، وَلِذَا إذَا هَلَكَتْ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ أَوْ الْمُنْفَصِلَةُ أَوْ اسْتَهْلَكَهَا أَجْنَبِيٌّ تَتَوَقَّفُ الْإِقَالَةُ عَلَى الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ، وَتَجُوزُ الْإِقَالَةُ مِنْ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالسَّلَمِ فِي قول أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَالْإِبْرَاءِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ.
وَإِقَالَةُ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ لَا تَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ.
وَفَسْخُ الْمُوَكِّلِ مَعَ الْمُشْتَرِي جَائِزٌ، وَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ: إقَالَةُ الْوَارِثِ جَائِزَةٌ، وَأَطْلَقَ فِي الْجَامِعِ جَوَازَ إقَالَةِ الْوَصِيِّ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَبِعْ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ، فَإِنْ بَاعَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا لَا تَصِحُّ إقَالَتُهُ، وَكَذَا الْمُتَوَلِّي أَيْضًا لَوْ اشْتَرَى بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ لَيْسَ لَهُ الْإِقَالَةُ.
وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَدَفَعَ إلَيْهِ الدَّرَاهِمَ عِوَضًا عَنْ الدَّنَانِيرِ ثُمَّ تَقَايَلَا وَقَدْ رَخُصَتْ الدَّرَاهِمُ رَجَعَ بِالدَّنَانِيرِ الَّتِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا لَا بِمَا دَفَعَ وَكَذَا لَوْ رَدَّ بِالْعَيْبِ، وَكَذَا فِي الْإِجَارَةِ لَوْ فُسِخَتْ وَلَوْ عَقَدَ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ كَسَدَتْ ثُمَّ تَقَايَلَا فَإِنَّهُ يَرُدُّ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ الْكَاسِدَةَ، وَلَوْ عَقَدَا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ثُمَّ جَدَّدَا بِحَالٍ أَوْ عَلَى الْقَلْبِ انْفَسَخَ الْأَوَّلُ، وَكَذَا لَوْ عَقَدَا بِدَرَاهِمَ ثُمَّ جَدَّدَا بِدَنَانِيرَ أَوْ عَلَى الْقَلْبِ، أَمَّا لَوْ جَدَّدَا بِدَرَاهِمَ أَكْثَرَ وَأَقَلَّ فَلَا وَهُوَ حَطٌّ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ زِيَادَةٌ فِيهِ، وَقَالُوا لَوْ بَاعَ بِاثْنَيْ عَشَرَ وَحَطَّ عَنْهُ دِرْهَمَيْنِ ثُمَّ عَقَدَا بِعَشَرَةٍ لَا يَنْفَسِخُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ، إذْ الْحَطُّ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ إلَّا فِي الْيَمِينِ فَيَحْنَثُ لَوْ كَانَ حَلَفَ لَا يَشْتَرِيه بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِلْبَائِعِ بِعْهُ لِنَفْسِك فَإِنْ بَاعَهُ جَازَ وَانْفَسَخَ الْأَوَّلُ، وَلَوْ قَالَ بِعْهُ لِي أَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَى قولهِ بِعْهُ أَوْ زَادَ قولهُ مِمَّنْ شِئْت لَا يَصِحُّ فِي الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ.
وَلَوْ بَاعَ الْمَبِيعَ مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ، وَلَوْ وَهَبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ: يَعْنِي إذَا قَبِلَ وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَعْتِقْهُ فَأَعْتَقَهُ جَازَ الْعِتْقُ عَنْ الْبَائِعِ وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْعِتْقُ بَاطِلٌ، وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: جُحُودُ مَا عَدَا النِّكَاحِ فَسْخٌ، وَعَلَيْهِ مَا فَرَّعَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ وَغَيْرِهَا، بَاعَ أَمَةً فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ لَا يَحِلُّ لِلْبَائِعِ وَطْؤُهَا إلَّا إنْ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ فَيَحِلُّ لَهُ حِينَئِذٍ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ جُحُودَ الْمُشْتَرِي فَسْخٌ فِي حَقِّهِ، وَإِذَا عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ فَقَدْ تَمَّ الْفَسْخُ مِنْهُمَا، وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي لَا يَحِلُّ لِلْبَائِعِ وَطْؤُهَا، فَإِنْ تَرَكَ الْمُشْتَرِي الْخُصُومَةَ وَسَمِعَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَمِثْلُهُ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقَبَضَهَا ثُمَّ رَدَّ عَلَى الْبَائِعِ جَارِيَةً أُخْرَى فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ وَقَالَ هِيَ الَّتِي اشْتَرَيْتهَا وَقَبَضْتهَا كَانَ الْقول لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ قَبْضَ غَيْرِهَا، فَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِهَا حَلَّ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا رَدَّ أُخْرَى فَقَدْ رَضِيَ بِتَمَلُّكِ الْبَائِعِ الثَّانِيَةَ بِالْأَوْلَى، فَإِذَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بِالتَّعَاطِي، وَكَذَا الْقَصَّارُ وَالْإِسْكَافُ.
وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَاللَّحْمِ وَالسَّمَكِ وَالْفَاكِهَةِ وَذَهَبَ الْمُشْتَرِي إلَى بَيْتِهِ لِيَجِيءَ بِالثَّمَنِ فَطَالَ مُكْثُهُ وَخَافَ الْبَائِعُ فَسَادَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَيْرِهِ اسْتِحْسَانًا، وَلِلْمُشْتَرِي مِنْهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ رَضِيَ بِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَالْمُشْتَرِيَ كَذَلِكَ ظَاهِرًا، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الثَّمَنُ الثَّانِي أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالزِّيَادَةِ، وَإِنْ كَانَ أَنْقَصَ فَالنُّقْصَانُ عَلَى الْبَائِعِ لَا عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ.
وَلَوْ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فَقَالَ الْمُشْتَرِي: بِعْته مِنْ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ قَبْلَ نَقْدِهِ وَفَسَدَ الْبَيْعُ بِذَلِكَ وَقَالَ الْبَائِعُ بَلْ أَقَلْنَا بِهِ فَالْقول لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ فِي إنْكَارِ الْإِقَالَةِ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي الْإِقَالَةَ يَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ.
(بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ):
قَالَ: (الْمُرَابَحَةُ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ وَالتَّوْلِيَةُ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ رِبْحٍ) وَالْبَيْعَانِ جَائِزَانِ؛ لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْجَوَازِ، وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْغَبِيَّ الَّذِي لَا يَهْتَدِي فِي التِّجَارَةِ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَعْتَمِدَ فِعْلَ الذَّكِيِّ الْمُهْتَدِي وَتَطِيبُ نَفْسُهُ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَى وَبِزِيَادَةِ رِبْحٍ فَوَجَبَ الْقول بِجَوَازِهِمَا، وَلِهَذَا كَانَ مَبْنَاهُمَا عَلَى الْأَمَانَةِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ الْخِيَانَةِ وَعَنْ شُبْهَتِهَا، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرَادَ الْهِجْرَةَ ابْتَاعَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعِيرَيْنِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلِّنِي أَحَدَهُمَا، فَقَالَ: هُوَ لَك بِغَيْرِ شَيْءٍ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَمَّا بِغَيْرِ ثَمَنٍ فَلَا».
الشَّرْحُ:
(بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ).
قولهُ: (الْمُرَابَحَةُ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ وَالتَّوْلِيَةُ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ رِبْحٍ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ بَاعَ دَنَانِيرَ اشْتَرَاهَا بِدَرَاهِمَ مُرَابَحَةً لَا يَجُوزُ مَعَ صِدْقِ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِ، وَأُجِيبَ عَنْهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ بِأَنَّهُ بَيْعُ مُرَابَحَةٍ، وَكَوْنُهُ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ آخَرُ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى السُّؤَالِ الْمُرَابَحَةُ جَائِزَةٌ بِلَا اسْتِثْنَاءِ شَيْءٍ، وَهَذَا مِنْ مِمَّا صَدَقَاتِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَجُوزَ لَكِنَّهُ لَا يَجُوزُ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ مِمَّا هُوَ بِبَيْعٍ مُتَعَيِّنٍ بِدَلَالَةِ قولهِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ كَوْنَ مُقَابِلِهِ ثَمَنًا مُطْلَقًا يُفِيدُ أَنَّ مَا مَلَكَهُ بِالضَّرُورَةِ مَبِيعٌ مُطْلَقًا ثُمَّ إنَّمَا لَمْ تَجُزْ الْمُرَابَحَةُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَدَلَيْ الصَّرْفِ لَا يَتَعَيَّنَانِ فَلَمْ تَكُنْ عَيْنُ هَذِهِ الدَّنَانِيرِ مُتَعَيِّنَةً لِتَلْزَمَ مَبِيعًا، وَاَلَّذِي يَلْزَمُ وُرُودُهُ عَلَى التَّقْدِيرِ الَّذِي صَحَّحْنَا بِهِ الْإِيرَادَ مَا إذَا اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ يَصْدُقُ النَّقْلُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ فِيهِ أَجَلٌ فَالثَّمَنُ الْأَوَّلُ بِمُقَابَلَةِ شَيْئَيْنِ فَلَمْ يَصْدُقْ فِي أَحَدِهِمَا أَنَّهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ وَارِدٌ عَلَى الطَّرْدِ، وَكَوْنُ الْمُرَابَحَةِ غَيْرَ صَحِيحَةٍ هُوَ مَعْنَى عَدَمِ وُجُودِهَا شَرْعًا فَيُرَدُّ السُّؤَالُ، وَعَلَى عَكْسِهِ مَسَائِلُ: الْأُولَى مَا إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ فَقُضِيَ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ ثُمَّ عَابَ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْقِيمَةِ الَّتِي أَدَّاهَا فَهَذَا بَيْعُ مُرَابَحَةٍ، وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا إذَا بَاعَهُ مُرَابَحَةً بِمَا قَامَ عَلَيْهِ.
وَكَذَا لَوْ مَلَكَهُ بِهِبَةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ وَقَوَّمَهُ قِيمَتَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى تِلْكَ الْقِيمَةِ أَنَّهُ يَجُوز، وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقول: قِيمَتُهُ كَذَا أَوْ رَقْمُهُ كَذَا فَأُرَابِحُكَ عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ رَقْمِهِ، وَمَعْنَى الرَّقْمِ أَنْ يَكْتُبَ عَلَى الثَّوْبِ الْمُشْتَرَى مِقْدَارًا سَوَاءٌ كَانَ قَدْرَ الثَّمَنِ أَوْ أَزْيَدَ ثُمَّ يُرَابِحَهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ إذَا قَالَ رَقْمُهُ كَذَا وَهُوَ صَادِقٌ لَمْ يَكُنْ خَائِنًا، فَإِنْ غَبَنَ الْمُشْتَرِيَ فِيهِ فَمِنْ قِبَلِ جَهْلِهِ، وَأُجِيبَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْغَصْبَ مُلْحَقٌ بِالْمُعَاوَضَاتِ، وَلِذَا صَحَّ إقْرَارُ الْمَأْذُونِ بِهِ لَمَّا كَانَ إقْرَارُهُ بِالْمُعَاوَضَاتِ جَائِزًا فَالْقِيمَةُ بِالْقَضَاءِ بِهَا بِمَنْزِلَةِ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ.
وَصَرَّحَ فِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ أَنَّهُ يَقول قَامَ عَلِيَّ كَذَا، وَجَوَابُ الثَّانِيَةِ يَأْتِي فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَالثَّالِثَةُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ مَبْنَى الْمُرَابَحَةِ عَلَى عَدَمِ الْخِيَانَةِ، وَهُوَ إذَا قَالَ قِيمَتُهُ كَذَا أَوْ رَقْمُهُ كَذَا وَهُوَ صَادِقٌ لَمْ يَكُنْ خَائِنًا، وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَدْفَعْ مَا عَلَى عَكْسِ الْحَدِّ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَابَحَةَ نَقْلُ مَا مَلَكَهُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ وَلَا ثَمَنَ سَابِقٌ أَصْلًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمِمَّا يُرَدُّ أَيْضًا مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَبْدًا مَثَلًا فَبَاعَ الْمَبِيعَ مُرَابَحَةً عَلَى الْعَبْدِ مِمَّنْ صَارَ إلَيْهِ الْعَبْدُ بِرِبْحٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مُرَابَحَةً، وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ بِعَيْنِهِ لَا بِمِثْلِهِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا الْعَبْدَ فِي حُكْمِ عَبْدٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَسْبَابِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْأَعْيَانِ.
قولهُ: (وَالْبَيْعَانِ جَائِزَانِ) اسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِمَا بِالْمَعْنَى وَعَلَى التَّوْلِيَةِ بِالنَّصِّ فَقَالَ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى آخِرِهِ، وَفِي التَّوْلِيَةِ أَحَادِيثُ لَا شُبْهَةَ فِيهَا:
مِنْهَا مَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: «التَّوْلِيَةُ وَالْإِقَالَةُ وَالشَّرِكَةُ سَوَاءٌ» لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا خِلَافَ فِي مُرْسَلِ سَعِيدٍ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا مُسْتَفَاضًا بِالْمَدِينَةِ قَال: «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَيَسْتَوْفِيَهُ، إلَّا أَنْ يُشْرِكَ فِيهِ أَوْ يُوَلِّيَهُ أَوْ يُقِيلَهُ» وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ.
وَفِيهِ أنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِالثَّمَنِ» أَخْرَجَهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ، وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «قَدْ أَخَذْتهَا بِالثَّمَنِ» وَفِي الطَّبَقَاتِ لِابْنِ سَعْدٍ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ اشْتَرَاهَا بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ نَعَمِ بَنِي قُشَيْرٍ فَأَخَذَ إحْدَاهُمَا وَهِيَ الْقَصْوَاءُ، فَمَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ يَصِحُّ بِالْمَعْنَى، وَتَفْصِيلُهُ قَرِيبٌ مِمَّا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ قَالَ فِيهَا «فَلَمَّا قَرَّبَ أَبُو بَكْرٍ الرَّاحِلَتَيْنِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَّمَ أَفْضَلَهُمَا ثُمَّ قَالَ لَهُ: ارْكَبْ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا أَرْكَبْ بَعِيرًا لَيْسَ لِي، قَالَ: فَهِيَ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: لَا وَلَكِنْ بِالثَّمَنِ الَّذِي ابْتَعْتهَا بِهِ قَالَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: قَدْ أَخَذْتهَا بِذَلِكَ، قَالَ هِيَ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَرَكِبَا وَانْطَلَقَا».
ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّهُ سُئِلَ لِمَ لَمْ يَقْبَلْهَا إلَّا بِالثَّمَنِ «وَقَدْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ أَضْعَافَ ذَلِكَ، وَقَدْ دَفَعَ إلَيْهِ حِينَ بَنَى بِعَائِشَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً حِينَ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَلَا تَبْنِي بِأَهْلِك يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَوْلَا الصَّدَاقُ، فَدَفَعَ إلَيْهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا»، وَالنَّشُّ هُنَا عِشْرُونَ دِرْهَمًا؟ قَالَ: إنَّمَا فَعَلَ لِتَكُونَ الْهِجْرَةُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ رَغْبَةً مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اسْتِكْمَالِ فَضْلِ الْهِجْرَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنْ يَكُونَ عَلَى أَتَمِّ أَحْوَالِهَا، وَهُوَ جَوَابٌ حَسَنٌ.
وَأَمَّا الْمَعْنَى فَهُوَ قولهُ (لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْجَوَازِ) وَلَمَّا لَمْ يَكْفِ ثُبُوتُ الشَّرَائِطِ فِي الشَّرْعِيَّةِ أَفَادَ عِلَّتَهَا بِقولهِ (وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّ الْغَبِيَّ الَّذِي لَا يَهْتَدِي فِي التِّجَارَةِ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَعْتَمِدَ) عَلَى (فِعْلِ الْمُهْتَدِي وَتَطِيبُ بِنَفْسِهِ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَى وَبِزِيَادَةِ رِبْحٍ فَوَجَبَ الْقول بِجَوَازِهِمَا) وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ لِجَوَازِهِمَا بَعْدَ الدَّلِيلِ الْمُثْبَتِ لِجَوَازِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا بِمَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ لَا يُخِلَّ بِمَا عُلِمَ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ، بَلْ دَلِيلُ شَرْعِيَّةِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا بِشُرُوطِهِ الْمَعْلُومَةِ هُوَ دَلِيلُ جَوَازِهِمَا، إذْ لَا زِيَادَةَ فِيهِمَا إلَّا اقْتِرَانُهُمَا بِإِخْبَارٍ خَاصٍّ، إذْ حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَبِيعُهُ بِثَمَنِ كَذَا مُخْبِرًا بِأَنَّ ذَلِكَ الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَيْت بِهِ أَوْ مَعَ زِيَادَةٍ لَا أَرْضَى بِدُونِهَا.

متن الهداية:
قَالَ: (وَلَا تَصِحُّ الْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ حَتَّى يَكُونَ الْعِوَضُ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ)؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ لَوْ مَلَكَهُ مَلَكَهُ بِالْقِيمَةِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ (وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَاعَهُ مُرَابَحَةً مِمَّنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ الْبَدَلَ وَقَدْ بَاعَهُ بِرِبْحِ دِرْهَمٍ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَكِيلِ مَوْصُوفٍ جَازَ) لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ (وَإِنْ بَاعَهُ بِرِبْحٍ ده يازده لَا يَجُوزُ)؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَبِبَعْضِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ (وَيَجُوزُ أَنْ يُضِيفَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ أُجْرَةَ الْقَصَّارِ وَالطَّرَّازِ وَالصَّبْغِ وَالْفَتْلِ وَأُجْرَةَ حَمْلِ الطَّعَامِ)؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِإِلْحَاقِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِرَأْسِ الْمَالِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ مَا يَزِيدُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ فِي قِيمَتِهِ يَلْحَقُ بِهِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ، وَمَا عَدَدْنَاهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ وَأَخَوَاتِهِ يَزِيدُ فِي الْعَيْنِ وَالْحَمْلَ يَزِيدُ فِي الْقِيمَةِ إذْ الْقِيمَةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ (وَيَقول قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا وَلَمْ يَقُلْ اشْتَرَيْته بِكَذَا) كَيْ لَا يَكُونَ كَاذِبًا وَسَوْقُ الْغَنَمِ بِمَنْزِلَةِ الْحَمْلِ، بِخِلَافِ أُجْرَةِ الرَّاعِي وَكِرَاءِ بَيْتِ الْحِفْظِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي الْعَيْنِ وَالْمَعْنَى، وَبِخِلَافِ أُجْرَةِ التَّعْلِيمِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الزِّيَادَةِ لِمَعْنًى فِيهِ وَهُوَ حَذَاقَتُهُ.
الشَّرْحُ:
وَمِنْ مَعْرِفَةِ شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ يَعْلَمُ الْمَذْكُورُ بِقولهِ (وَلَا تَصِحُّ الْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ حَتَّى يَكُونَ الْعِوَضُ) يَعْنِي الثَّمَنَ (مِمَّا لَهُ مِثْلٌ) كَالنَّقْدَيْنِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَمَا يُكَالُ وَيُوزَنُ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَقَارِبِ كَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَنَحْوِهِمَا (لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ) بِأَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَبْدٍ مُقَايَضَةً مَثَلًا لَوْ رَابَحَهُ أَوْ وَلَّاهُ إيَّاهُ كَانَ بَيْعًا بِقِيمَةِ عَبْدٍ صِفَتُهُ كَذَا أَوْ بِقِيمَةِ عَبْدٍ ابْتِدَاءً وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ.
أَمَّا لَوْ كَانَ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ وَصَلَ إلَى مَنْ يَبِيعُهُ مِنْهُ فَرَابَحَهُ عَلَيْهِ بِرِبْحٍ مُعَيَّنٍ كَأَنْ يَقول أَبِيعُك مُرَابَحَةً عَلَى الثَّوْبِ الَّذِي بِيَدِك وَرِبْحِ دِرْهَمٍ أَوْ كُرِّ شَعِيرٍ أَوْ رِبْحِ هَذَا الثَّوْبِ (جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرَ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَهُ) مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ (مَا لَوْ بَاعَهُ) وَالْحَالَةُ هَذِهِ (بِرِبْحِ ده يازده) فَإِنَّهُ (لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَبِبَعْضِ قِيمَتِهِ) فَإِنَّ مَعْنَى ده يازده كُلُّ عَشَرَةٍ أَحَدَ عَشَرَ، وَهَذَا فَرْعُ مَعْرِفَةِ عَدَدِ الْعَشْرَاتِ وَهُوَ بِتَقْوِيمِ الْعَبْدِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَفْظَ ده يازده وَمَعْنَاهُ الْعَشَرَةُ أَحَدَ عَشْرَ أَيْ كُلُّ عَشَرَةٍ رَبِحَهَا وَاحِدٌ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ جِنْسِ الْعَشَرَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ مَفْهُوم ذَلِكَ، وَلَكِنَّ لُزُومَ ذَلِكَ رَفْعًا لِلْجَهَالَةِ وَلَا يَثْبُتُ، وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَابَحَةُ عَلَى الْعَبْدِ بده يازده تَقْتَضِي أَنَّهُ بَاعَهُ بِالْعَبْدِ وَبِبَعْضِهِ أَوْ بِمِثْلِ بَعْضِهِ وَهُوَ كُلُّ عَشَرَةِ أَجْزَاءٍ مِنْ الْعَبْدِ رِبْحُهَا جُزْءٌ آخَرُ مِنْهُ، وَحِينَ عَرَفَ أَنَّ الْمُرَادَ كُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَحَدَ عَشَرَ لَزِمَ حِينَئِذٍ مَا ذُكِرَ وَهُوَ أَنَّهُ بَاعَهُ بِالْعَبْدِ وَبِبَعْضِ قِيمَتِهِ.
وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ:
اشْتَرَى عَبْدًا بِعَشَرَةٍ خِلَافِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَبَاعَهُ بِرِبْحِ دِرْهَمٍ فَالْعَشَرَةُ مِثْلُ مَا نَقَدَ وَالرِّبْحُ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ إذَا أَطْلَقَهُ لِأَنَّ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ يَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي، وَالرِّبْحَ مُطْلَقٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ نَسَبَ الرِّبْحَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ فَقَالَ بِعْتُك بِرِبْحِ الْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ أَوْ بِرِبْحِ ده يازده فَالرِّبْحُ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ عُرِفَ بِنِسْبَتِهِ إلَيْهِ، وَفِي الْمُحِيطِ: اشْتَرَى بِنَقْدِ نَيْسَابُورَ، وَقَالَ بِبَلْخٍ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا أَوْ بَاعَهُ بِرِبْحِ مِائَةٍ أَوْ بِرِبْحِ ده يازده فَالرِّبْحُ وَرَأْسُ الْمَالِ عَلَى نَقْدِ بَلْخٍ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ نَقْدُ نَيْسَابُورَ أَوْ تَقُومُ بَيِّنَةٌ.
وَإِذَا كَانَ نَقْدُ نَيْسَابُورَ فِي الْوَزْنِ وَالْجَوْدَةِ دُونَ نَقْدِ بَلْخٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَرَأْسُ الْمَالِ وَالرِّبْحُ عَلَى نَقْدِ نَيْسَابُورَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ وَاشْتَرَاهُ بِبَلْخٍ بِنَقْدِ نَيْسَابُورَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ أَوْزَنُ وَأَجْوَدُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمُرَابَحَةِ مَا وَقَعَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ دُونَ مَا دَفَعَ عِوَضًا عَنْهُ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَى بِعَشَرَةٍ فَدَفَعَ عَنْهَا دِينَارًا أَوْ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ فَإِنَّ رَأْسَ الْمَالِ هُوَ الْعَشَرَةُ لَا الدِّينَارُ وَالثَّوْبُ لِأَنَّ وُجُوبَ هَذَا بِعَقْدٍ آخَرَ. وَهُوَ الِاسْتِبْدَالُ.
قولهُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يُضِيفَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ أُجْرَةَ الْقَصَّارِ وَالصَّبْغِ) أَسْوَدَ كَانَ الصَّبْغُ أَوْ غَيْرَهُ (وَالطِّرَازَ وَالْفَتْلَ وَأُجْرَةَ حَمْلِ الطَّعَامِ) بَرًّا أَوْ بَحْرًا (لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِإِلْحَاقِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِرَأْسِ الْمَالِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَزِيدُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ فِي الْقِيمَةِ يَلْحَقُ بِهِ) أَيْ بِرَأْسِ الْمَالِ.
(وَمَا عَدَدْنَاهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِأَنَّ الصَّبْغَ وَأَخَوَاتِهِ) مِنْ الطِّرَازِ وَالْفَتْلِ (يَزِيدُ فِي الْعَيْنِ وَالْحَمْلَ) مِنْ مَكَان إلَى مَكَان (يَزِيدُ فِي الْقِيمَةِ لِاخْتِلَافِ الْقِيمَةِ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ) قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: هَذَا الْمَعْنَى ظَاهِرٌ، وَلَكِنْ لَا يَتَمَشَّى فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَالْمَعْنَى الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ عَادَةُ التُّجَّارِ حَتَّى يَعُمَّ الْمَوَاضِعَ كُلَّهَا (وَ) إذَا ضَمَّ مَا ذُكِرَ (يَقول قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا، وَلَا يَقول اشْتَرَيْته بِكَذَا تَحَرُّزًا عَنْ الْكَذِبِ، وَسَوْقُ الْغَنَمِ) وَالْبَقَرِ (كَالْحَمْلِ) يَضُمُّهُ (بِخِلَافِ أُجْرَةِ الرَّاعِي وَالْبَيْتِ لِلْحِفْظِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي الْعَيْنِ) وَلَا الْقِيمَةِ فَلَا يُضَمُّ، وَكَذَا سَائِقُ الرَّقِيقِ وَحَافِظُهُمْ وَحَافِظُ الطَّعَامِ وَالْمَتَاعِ، بِخِلَافِ سَائِقِ الْغَنَمِ (وَ) كَذَا (أُجْرَةُ تَعْلِيمِ الْعَبْدِ) صِنَاعَةً أَوْ قُرْآنًا أَوْ عِلْمًا أَوْ شِعْرًا (لِأَنَّ ثُبُوتَ الزِّيَادَةِ لِمَعْنًى فِيهِ) أَيْ فِي الْمُتَعَلِّمِ (وَهُوَ حَذَاقَتُهُ) فَلَمْ يَكُنْ مَا أَنْفَقَهُ عَلَى الْمُعَلَّمِ مُوجِبًا لِلزِّيَادَةِ فِي الْمَالِيَّةِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ لَا شَكَّ فِي حُصُولِ الزِّيَادَةِ بِالتَّعَلُّمِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْ التَّعْلِيمِ عَادَةً، وَكَوْنُهُ بِمُسَاعِدَةِ الْقَابِلِيَّةِ فِي الْمُتَعَلِّمِ هُوَ كَقَابِلِيَّةِ الثَّوْبِ لِلصَّبْغِ فَلَا تُمْنَعُ نِسْبَتُهُ إلَى التَّعْلِيمِ كَمَا لَا تُمْنَعُ نِسْبَتُهُ إلَى الصَّبْغِ فَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ وَالتَّعْلِيمُ عِلَّةٌ عَادِيَّةٌ فَكَيْفَ لَا يُضَمُّ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ أَضَافَ نَفْيَ ضَمِّ الْمُنْفِقِ فِي التَّعْلِيمِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عُرْفٌ، قَالَ: وَكَذَا فِي تَعْلِيمِ الْغِنَاءِ وَالْعَرَبِيَّةِ، قَالَ: حَتَّى لَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ عُرْفٌ ظَاهِرٌ يَلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ، وَكَذَا لَا يَلْحَقُ أُجْرَةَ الطَّبِيبِ وَالرَّائِضِ وَالْبَيْطَارِ وَجُعْلِ الْآبِقِ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ فَلَا يَلْحَق بِالسَّائِقِ؛ لِأَنَّهُ لَا عُرْفَ فِي النَّادِرِ وَالْحِجَامَةِ وَالْخِتَانِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ، وَتُضَمُّ أُجْرَةُ السِّمْسَارِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي جَامِعِ الْبَرَامِكَةِ: لَا تُضَمُّ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الشِّرَاءِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ، وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْعُرْفُ فِيهِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي الْعَقْدِ تُضَمُّ، وَقِيلَ أُجْرَةُ الدَّلَّالِ تُضَمُّ، كُلُّ هَذَا مَا لَمْ تَجْرِ عَادَةُ التُّجَّارِ، وَلَا يُضَمُّ ثَمَنُ الْجِلَالِ وَنَحْوِهَا فِي الدَّوَابِّ، وَتُضَمُّ الثِّيَابُ فِي الرَّقِيقِ وَطَعَامِهِمْ إلَّا مَا كَانَ سَرَفًا وَزِيَادَةً، وَيُضَمُّ عَلَفُ الدَّوَابِّ إلَّا أَنْ يَعُودَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مُتَوَلِّدٌ مِنْهَا كَأَلْبَانِهَا وَصُوفِهَا وَسَمْنِهَا فَيَسْقُطُ قَدْرُ مَا نَالَ وَيُضَمُّ مَا زَادَ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَّرَ الدَّابَّةَ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ الدَّارَ فَأَخَذَ أُجْرَتَهُ فَإِنَّهُ يُرَابِحُ مَعَ ضَمِّ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ لَيْسَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْعَيْنِ، وَكَذَا دَجَاجَةٌ أَصَابَ مِنْ بَيْضِهَا يُحْتَسَبُ بِمَا نَالَهُ وَبِمَا أَنْفَقَ وَيُضَمُّ الْبَاقِي وَتُضَمُّ أُجْرَةُ التَّجْصِيصِ وَالتَّطْيِينِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي الدَّارِ وَالْقَنَاةِ فِي الْأَرْضِ مَا بَقِيَتْ هَذِهِ، فَإِنْ زَالَتْ لَا تُضَمُّ، وَكَذَا سَقْيُ الزَّرْعِ وَالْكَرْمِ وَكَسْحِهِ.
وَلَوْ قَصَّرَ الثَّوْبَ بِنَفْسِهِ أَوْ طَيَّنَ أَوْ عَمِلَ هَذِهِ الْأَعْمَالَ لَا يُضَمُّ شَيْئًا مِنْهَا، وَكَذَا لَوْ تَطَوَّعَ مُتَطَوِّعٌ بِهَذِهِ الْأَعْمَالِ أَوْ بِإِعَارَةٍ.

متن الهداية:
(فَإِنْ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى خِيَانَةٍ فِي الْمُرَابَحَةِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَإِنْ اطَّلَعَ عَلَى خِيَانَةٍ فِي التَّوْلِيَةِ أَسْقَطَهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَحُطُّ فِيهِمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُخَيَّرُ فِيهِمَا) لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلتَّسْمِيَةِ؛ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا، وَالتَّوْلِيَةُ وَالْمُرَابَحَةُ تَرْوِيجٌ وَتَرْغِيبٌ فَيَكُونُ وَصْفًا مَرْغُوبًا فِيهِ كَوَصْفِ السَّلَامَةِ فَيَتَخَيَّرُ بِفَوَاتِهِ، وَلِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ كَوْنُهُ تَوْلِيَةً وَمُرَابَحَةً وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِقولهِ وَلَّيْتُك بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِعْتُك مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ إذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَوَّلِ وَذَلِكَ بِالْحَطِّ، غَيْرَ أَنَّهُ يُحَطُّ فِي التَّوْلِيَةِ قَدْرُ الْخِيَانَةِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَفِي الْمُرَابَحَةِ مِنْهُ وَمِنْ الرِّبْحِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحُطُّ فِي التَّوْلِيَةِ لَا تَبْقَى تَوْلِيَةً؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَيَتَغَيَّرُ التَّصَرُّفُ فَتَعَيَّنَ الْحَطُّ وَفِي الْمُرَابَحَةِ لَوْ لَمْ يُحَطَّ تَبْقَى مُرَابَحَةً وَإِنْ كَانَ يَتَفَاوَتُ الرِّبْحُ فَلَا يَتَغَيَّرُ التَّصَرُّفُ فَأَمْكَنَ الْقول بِالتَّخْيِيرِ، فَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ أَوْ حَدَثَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ خِيَارٍ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْفَائِتِ فَيَسْقُطُ مَا يُقَابِلُهُ عِنْدَ عَجْزِهِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (فَإِنْ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى خِيَانَةٍ فِي الْمُرَابَحَةِ) إمَّا بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ وَقَدْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي هَذَا عَلَى الْمُخْتَارِ، وَقِيلَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي دَعْوَى الْخِيَانَةِ مُنَاقِضٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ بِبَيِّنَةٍ وَلَا نُكُولٍ، وَالْحَقُّ سَمَاعُهَا كَدَعْوَى الْعَيْبِ وَدَعْوَى الْحَطِّ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ (فَهُوَ بِالْخِيَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) وَإِنْ اطَّلَعَ عَلَيْهَا فِي التَّوْلِيَةِ يُحَطُّ قَدْرُهَا (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُحَطُّ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَهُوَ قول الشَّافِعِيِّ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُخَيَّرُ فِيهِمَا) وَهُوَ قول الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (لِمُحَمَّدٍ: إنَّ الِاعْتِبَارَ فِيهِمَا لَيْسَ إلَّا لِلتَّسْمِيَةِ) لِأَنَّ الثَّمَنَ بِهِ يَصِيرُ مَعْلُومًا وَبِهِ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ، وَلَا خِيَارَ بِأَنَّهُ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ فِيهِمَا لَا يَتَعَلَّقُ الِانْعِقَادُ بِهِ.
إنَّمَا هُوَ (تَرْوِيجٌ وَتَرْغِيبٌ فَيَكُونُ وَصْفًا مَرْغُوبًا فِيهِ) كَوَصْفِ الْكِتَابَةِ وَالْخِيَاطَةِ (فَبِفَوَاتِهِ) بِظُهُورِ أَنَّ الثَّمَنَ لَيْسَ ذَاكَ (يَتَخَيَّرُ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ) أَيْ فِي عَقْدِ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ (كَوْنُهُ تَوْلِيَةً وَمُرَابَحَةً) وَذَلِكَ بِالْبِنَاءِ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الْعَقْدُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَوْلِيَةٌ وَمُرَابَحَةٌ عَلَيْهِ (وَذَلِكَ بِالْحَطِّ غَيْرَ أَنَّهُ يَحُطُّ فِي التَّوْلِيَةِ مِقْدَارَ الْخِيَانَةِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَفِي الْمُرَابَحَةِ يَحُطُّهُ مِنْهُ وَمِنْ الرِّبْحِ) عَلَى نِسْبَتِهِ، حَتَّى لَوْ رَابَحَ فِي ثَوْبٍ عَلَى عَشَرَةٍ بِخَمْسَةٍ فَظَهَرَ أَنَّ الثَّوْبَ بِثَمَانِيَةٍ يَحُطُّ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ مِنْ الثَّمَنِ، دِرْهَمَيْنِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَمِنْ الرِّبْحِ خُمُسَهُ وَهُوَ دِرْهَمٌ.
(وَلِأَبِي حَنِيفَةَ) فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي التَّوْلِيَةِ وَهُوَ (أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحُطَّ فِيهَا لَا تَبْقَى تَوْلِيَةً؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ) وَالْعَقْدُ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِاعْتِبَارِهَا فَيَتَغَيَّرُ التَّصَرُّفُ إلَى بَيْعٍ آخَرَ بِثَمَنٍ آخَرَ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ الْبَيْعُ الْآخَرُ وَأَمَّا (فِي الْمُرَابَحَةِ لَوْ لَمْ يَحُطَّ) لَا تَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا مُرَابَحَةً لِتَغَيُّرِ التَّصَرُّفِ (وَإِنْ كَانَ يَتَفَاوَتُ الرِّبْحُ) فَإِنَّهُ يَظْهَرُ أَنَّ الرِّبْحَ أَكْثَرُ مِمَّا ظَنَّهُ الْمُشْتَرِي (فَأَمْكَنَ الْقول) بِبَقَاءِ الْعَقْدِ وَلَكِنْ يَتَخَيَّرُ لِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ مِنْ فَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ (فَلَوْ هَلَكَ) الْمَبِيعُ (قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ) أَوْ اسْتَهْلَكَهُ (أَوْ حَدَثَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ لَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ خِيَارٍ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ) وَفِيهِمَا يَلْزَمُهُ تَمَامُ الثَّمَنِ قَبْلَ الْفَسْخِ فَكَذَا هُنَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قول مُحَمَّدٍ (بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ)؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ فِيهِ جُزْءٌ فَائِتٌ يُطَالَبُ بِهِ (فَيَسْقُطُ مَا يُقَابِلُهُ إذَا عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ).
وَأَمَّا عَلَى قول أَبِي يُوسُفَ، فَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ أَوْ انْتَقَصَ يُحَطُّ، وَقولهُ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ احْتِرَازٌ عَمَّا عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ يُفْسَخُ الْبَيْعُ عَلَى الْقِيمَةِ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى يَنْدَفِعَ الضَّرَرُ عَنْ الْمُشْتَرِي بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ التَّحَالُفِ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ أَنَّهُ يُفْسَخُ بَعْدَ التَّحَالُفِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي وَيَرُدُّ الْقِيمَةَ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَبَاعَهُ بِرِبْحٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ، فَإِنْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً طَرَحَ عَنْهُ كُلَّ رِبْحٍ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ اسْتَغْرَقَ الثَّمَنَ لَمْ يَبِعْهُ مُرَابَحَةً، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا: يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَخِيرِ).
صُورَتُهُ: إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِخَمْسَةٍ وَيَقول قَامَ عَلَيَّ بِخَمْسَةٍ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ بِعِشْرِينَ مُرَابَحَةً ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً أَصْلًا، وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْعَشَرَةِ فِي الْفَصْلَيْنِ، لَهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ عَقْدٌ مُتَجَدِّدٌ مُنْقَطِعُ الْأَحْكَامِ عَنْ الْأَوَّلِ فَيَجُوزُ بِنَاءُ الْمُرَابَحَةِ عَلَيْهِ، كَمَا إذَا تَخَلَّلَ ثَالِثٌ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ شُبْهَةَ حُصُولِ الرِّبْحِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي ثَابِتَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَكَّدُ بِهِ بَعْدَمَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِالظُّهُورِ عَلَى عَيْبِ الشُّبْهَةِ كَالْحَقِيقَةِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ احْتِيَاطًا وَلِهَذَا لَمْ تَجُزْ الْمُرَابَحَةُ فِيمَا أُخِذَ بِالصُّلْحِ لِشُبْهَةِ الْحَطِيطَةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اشْتَرَى خَمْسَةً وَثَوْبًا بِعَشَرَةٍ فَيُطْرَحُ عَنْهُ خَمْسَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا تَخَلَّلَ ثَالِثٌ؛ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ حَصَلَ بِغَيْرِهِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَبَاعَهُ بِرِبْحٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ) مِنْ الَّذِي بَاعَهُ مِنْهُ بِمِثْلِ مَا بَاعَهُ (فَإِنْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً طَرَحَ عَنْهُ كُلَّ رِبْحٍ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ) الرِّبْحُ (اسْتَغْرَقَ الثَّمَنَ لَمْ يَبِعْهُ مُرَابَحَةً) إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ؟ (هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَخِيرِ) وَهُوَ قول الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ (صُورَتُهُ إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ) مِمَّنْ بَاعَهُ مِنْهُ بَعْدَ التَّقَابُضِ فَإِنَّهُ يَطْرَحُ عَنْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ الَّتِي اشْتَرَاهُ بِهَا مِنْهُ الْخَمْسَةَ الَّتِي رَبِحَهَا (فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً) عَلَى خَمْسَةٍ (وَيَقول قَامَ عَلَيَّ بِخَمْسَةٍ؛ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَبَاعَهُ بِعِشْرِينَ مُرَابَحَةً ثُمَّ اشْتَرَاهُ) مِمَّنْ بَاعَهُ مِنْهُ (بِعَشَرَةٍ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً أَصْلًا) إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ فَيَقول هَذَا كُنْت بِعْته فَرَبِحْت فِيهِ عَشَرَةً ثُمَّ اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ وَأَنَا أَبِيعُهُ بِرِبْحِ كَذَا عَلَى هَذِهِ الْعَشَرَةِ.
(وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى) الثَّمَنِ الْأَخِيرِ وَهُوَ (عَشَرَةٌ فِي الْفَصْلَيْنِ) مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ (لَهُمَا أَنْ الْعَقْدَ الثَّانِيَ) وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ كَانَ بَاعَهُ مِنْهُ فَهُوَ (عَقْدٌ مُتَجَدِّدٌ مُنْقَطِعُ الْأَحْكَامِ عَنْ الْأَوَّلِ) وَلِذَا لَوْ كَانَ فِي الْأَوَّلِ خِيَارٌ لَا يَكُونُ فِي الثَّانِي، وَعَلَى الْعَكْسِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا قَبْلَهُ مُرَابَحَةً أَوْ وَضِيعَةً، وَلِذَا لَوْ كَانَ أَصْلُهُ هِبَةً أَوْ مِيرَاثًا فَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَخِيرِ، وَلَا يُعْتَبَرُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ الْمُرَابَحَةُ أَصْلًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ بِالشِّرَاءِ الثَّانِيَ يَتَجَدَّدُ لَهُ مِلْكٌ غَيْرُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَسْبَابِ كَاخْتِلَافِ الْعَيْنِ عَلَى مَا عُرِفَ.
وَصَارَ (كَمَا لَوْ تَخَلَّلَ ثَالِثٌ) بِأَنْ اشْتَرَى بِعَشَرَةٍ مِمَّنْ اشْتَرَى مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ بِعِشْرِينَ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ شُبْهَةَ حُصُولِ الرِّبْحِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي ثَابِتَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَكَّدُ بِهِ) أَيْ بِالْعَقْدِ الثَّانِي (مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ) مِنْ ذَلِكَ الرِّبْحِ (بِأَنْ يَظْهَرَ) الْمُشْتَرِي (عَلَى عَيْبٍ) فَيَرُدَّهُ فَيَزُولُ الرِّبْحُ عَنْهُ، فَإِذَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ تَأَكَّدَ: أَيْ تَقَرَّرَ مِلْكُهُ لِذَلِكَ الرِّبْحِ وَلِلتَّأْكِيدِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ حُكْمُ الْإِيجَابِ كَمَا فِي شُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا يَضْمَنُونَ نِصْفَ الْمَهْرِ لِتَأْكِيدِهِمْ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ أَوْ بِارْتِدَادٍ، وَعَلَى اعْتِبَارِ التَّأْكِيدِ يَصِيرُ الْبَائِعُ فِي مَسْأَلَتِنَا مُشْتَرِيًا بِالْعَقْدِ الثَّانِي ثَوْبًا وَخَمْسَةَ دَرَاهِمَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَتَكُونُ الْخَمْسَةُ بِإِزَاءِ الْخَمْسَةِ وَيَبْقَى الثَّوْبُ بِخَمْسَةٍ، وَهَذَا الِاعْتِبَارُ وَاجِبٌ (لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي الْمُرَابَحَةِ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ وَلِذَا لَمْ تَجُزْ الْمُرَابَحَةُ فِيمَا أُخِذَ بِالصُّلْحِ لِشُبْهَةِ الْحَطِيطَةِ) لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الصُّلْحِ ذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسَةٍ.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ الشِّرَاءُ بِعَشَرَةٍ فِيمَا لَوْ بَاعَ بِعِشْرِينَ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَصِيرُ فِي الشِّرَاءِ الثَّانِي كَأَنَّهُ اشْتَرَى ثَوْبًا وَعَشَرَةً بِعَشْرَةٍ فَكَانَ فِيهِ شُبْهَةُ الرِّبَا وَهُوَ حُصُولُ الثَّوْبِ بِلَا عِوَضٍ، أُجِيبُ بِأَنَّ التَّأْكِيدَ إنَّمَا حَصَلَ بِهِ شُبْهَةُ الْإِيجَابِ احْتِرَازًا عَنْ الْخِيَانَةِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِبَادِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّرْعِ، وَشَرْعِيَّةُ الْمُرَابَحَةِ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى الْعِبَادِ لَا الشَّرْعِ، وَلِذَا إذَا رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِهِ وَقَدْ عَلِمَ يَجُوزُ، وَلَوْ كَانَ لِحَقِّ الشَّرْعِ لَمْ يَجُزْ بِتَرَاضِيهِمَا كَمَا فِي الرِّبَا لَوْ رَضِيَا بِهِ، وَأُورِدَ عَلَى هَذَا مَا لَوْ وُهِبَ لَهُ ثَوْبٌ فَبَاعَهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِعَشَرَةٍ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةٍ، وَبِتَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَالْبَيْعُ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ يَتَأَكَّدُ بِهِ انْقِطَاعُ حَقِّ الْوَاهِبِ فِي الرُّجُوعِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْوَكَالَةُ إلَّا فِي عَقْدٍ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا وَأَيْضًا لَيْسَ فِيهِ مَعْنًى يَزْدَادُ فِي الثَّمَنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ بِثَمَنٍ حَالٍّ مُرَابَحَةً بَعْدَمَا اشْتَرَاهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ مُؤَجَّلًا؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى يَزْدَادُ فِي الثَّمَنِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ بِوَصِيفٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ عَرَضٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ؛ لِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَلَا يُمْكِنُ طَرْحُهُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَلَا مَدْخَلَ لِذَلِكَ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، وَلِذَا قُلْنَا لَوْ اشْتَرَى أَشْيَاءَ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِثَمَنٍ وَاحِدٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بَعْضَهَا مُرَابَحَةً عَلَى حِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَتَعْيِينُهَا لَا يَخْلُو عَنْ شُبْهَةِ الْغَلَطِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ (وَبِخِلَافِ مَا لَوْ تَخَلَّلَ ثَالِثٌ) لِتَأْكِيدِ الرِّبْحِ بِالْبَيْعِ مِنْ الثَّالِثِ وَوَقَعَ الْأَمْنُ مِنْ الْبُطْلَانِ بِهِ فَلَمْ يَسْتَفِدْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ بِالشِّرَاءِ الثَّانِي تَأْكِيدَ الرِّبْحِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَإِذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ فَبَاعَهُ مِنْ الْمَوْلَى بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَوْلَى اشْتَرَاهُ فَبَاعَهُ مِنْ الْعَبْدِ)؛ لِأَنَّ فِي هَذَا الْعَقْدِ شُبْهَةَ الْعَدَمِ بِجَوَازِهِ مَعَ الْمُنَافِي فَاعْتُبِرَ عَدَمًا فِي حُكْمِ الْمُرَابَحَةِ وَبَقِيَ الِاعْتِبَارُ لِلْأَوَّلِ فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْعَبْدَ اشْتَرَاهُ لِلْمَوْلَى بِعَشَرَةٍ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَكَأَنَّهُ يَبِيعُهُ لِلْمَوْلَى فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فَيُعْتَبَرُ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِرَقَبَتِهِ فَبَاعَهُ مِنْ الْمَوْلَى بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ) أَيْ الْمَوْلَى (يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَوْلَى اشْتَرَاهُ) بِعَشَرَةٍ (فَبَاعَهُ مِنْ الْعَبْدِ) بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَجِبُ أَنْ يَبِيعَهُ الْعَبْدَ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ (لِأَنَّ فِي هَذَا الْعَقْدِ) أَعْنِي الَّذِي جَرَى بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لِإِفَادَتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ فِي كَسْبِهِ وَيُسَلِّمُ لِلْمَوْلَى مِنْ كَسْبِهِ مَا لَمْ يَكُنْ سَالِمًا (فَلَهُ شُبْهَةُ الْعَدَمِ)؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ لِلْعَبْدِ لَا يَخْلُو عَنْ حَقِّ الْمَوْلَى، وَلِهَذَا كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَبْقِيَ مَا فِي يَدِهِ لِنَفْسِهِ وَيَقْضِيَ دَيْنَهُ مِنْ عِنْدِهِ، وَكَذَا فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ وَيَصِيرُ ذَلِكَ الْحَقُّ حَقِيقَةً إذَا عَجَزَ فَرُدَّ فِي الرِّقِّ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ اشْتَرَى مِلْكَ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ لِلْفَائِدَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا صَحَّحْنَاهُ فَظَهَرَ أَنَّهُ جَائِزٌ (مَعَ الْمُنَافِي) وَهُوَ كَوْنُهُ عَبْدَهُ الْمُسْتَلْزِمُ لِكَوْنِ الْمَالِ لَهُ لَوْلَا الدَّيْنُ (فَاعْتُبِرَ عَدَمًا فِي حُكْمِ الْمُرَابَحَةِ وَبَقِيَ الِاعْتِبَار لل) عَقْدِ (الْأَوَّلِ) وَهُوَ الْكَائِنُ بِعَشَرَةٍ (فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْعَبْدَ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ لِأَجْلِ الْمَوْلَى فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَاهُ الْعَبْدُ وَبَاعَهُ مِنْ الْمَوْلَى (وَكَانَ بِبَيْعِهِ) أَجَلُ (الْمَوْلَى فِي الْفَصْلِ الثَّانِي) وَهُوَ مَا إذَا بَاعَهُ الْمَوْلَى مِنْ عَبْدِهِ (فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا الْجَوَابُ إذَا كَانَ الْمَأْذُونُ مُكَاتَبَ السَّيِّدِ بِالِاتِّفَاقِ.
وَقولهُ فَاعْتُبِرَ عَدَمًا فِي حُكْمِ الْمُرَابَحَةِ يُفِيدُ أَنَّهُ إنَّمَا اُعْتُبِرَ عَدَمًا لِلْمُرَابَحَةِ لَا لِكَوْنِهِ مَعْدُومًا مِنْ وَجْهٍ، وَسَبَبُهُ أَنَّ الْمُرَابَحَةَ بَيْعُ أَمَانَةٍ تَنْفِي عَنْهُ كُلَّ تُهْمَةٍ وَخِيَانَةٍ، وَالْمُسَامَحَةَ جَارِيَةٌ بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ فَيُتَّهَمُ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ بَاعَهُ مِنْهُ كَذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ اشْتَرَى هَؤُلَاءِ مِنْهُ لَا يَبِيعُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مُرَابَحَةً إلَّا عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي قَامَ عَلَى الْبَائِعِ، إلَّا أَنَّهُمَا خَالَفَا فِي هَذِهِ فَقَالَا: يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا اشْتَرَاهُ مِنْ هَؤُلَاءِ لِتَبَايُنِ الْأَمْلَاكِ وَالْحُقُوقِ فَكَانَا كَالْأَخَوَيْنِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقول: مَا يَحْصُلُ لِكُلٍّ مِنْ هَؤُلَاءِ كَأَنَّهُ لِلْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ.
وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ لِلْآخَرِ وَتَجْرِي الْمُسَامَحَةُ بَيْنَهُمْ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِيمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ الْقَيْدُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ كَوْنُهُ مَدْيُونًا بِمَا يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْجَامِعِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: وَالْمَشَايِخُ فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهُ كَقَاضِي خَانَ، وَمِنْهُمْ مِنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِالْمُحِيطِ كَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ فَقَالَ: عَبْدٌ مَأْذُونٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِرَقَبَتِهِ أَوْ غَيْرُ مُحِيطٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ الدَّيْنَ أَصْلًا كَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ فَقَالَ: إذَا اشْتَرَى مِنْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ أَوْ عَبْدِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذِكْرَهُ وَعَدَمَهُ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ سَوَاءٌ، بَلْ إذَا كَانَ لَا يُرَابِحُ إلَّا عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ مَعَ أَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْ كَسْبِهِ فَلَأَنْ لَا يَرْبَحَ إلَّا عَلَيْهِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ الثَّانِي أَصْلًا إنَّمَا يَبِيعُ مَالَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ يَشْتَرِيهِ.
وَإِنَّمَا فَائِدَتُهُ لِثُبُوتِ صِحَّةِ الْعَقْدِ الثَّانِي وَعَدَمِهِ، وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَخْتَلِفُ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ شَرِيكِهِ سِلْعَةً، إنْ كَانَتْ لَيْسَتْ مِنْ شَرِكَتِهِمَا يُرَابِحُ عَلَى مَا اشْتَرَى وَلَا يُبَيِّنُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَإِنَّهُ يَبِيعُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ عَلَى ضَمَانِهِ فِي الشِّرَاءِ الثَّانِي وَنَصِيبَ نَفْسِهِ عَلَى ضَمَانِهِ فِي الشِّرَاءِ الْأَوَّلِ نَحْوُ أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ اُشْتُرِيَتْ بِأَلْفٍ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَاشْتَرَاهَا أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَمِائَةٍ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْ الثَّمَنِ سِتُّمِائَةٍ وَنَصِيبَ نَفْسِهِ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ خَمْسُمِائَةٍ فَيَبِيعُهَا عَلَى ذَلِكَ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَإِذَا كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ)؛ لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ وَإِنْ قُضِيَ بِجَوَازِهِ عِنْدَنَا عِنْدَ عَدَمِ الرِّبْحِ خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعَ أَنَّهُ اشْتَرَى مَالَهُ بِمَالِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِفَادَةِ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ وَهُوَ مَقْصُودٌ وَالِانْعِقَادُ يَتْبَعُ الْفَائِدَةَ فَفِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهٍ فَاعْتُبِرَ الْبَيْعُ الثَّانِي عَدَمًا فِي حَقِّ نِصْفِ الرِّبْحِ.
الشَّرْحُ:
وَمِنْهُ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ الَّتِي ذَكَرَهَا بِقولهِ (وَإِذَا كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ، لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ وَإِنْ قُضِيَ بِجَوَازِهِ عِنْدَنَا عِنْدَ عَدَمِ الرِّبْحِ خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعَ أَنَّهُ اشْتَرَى مَالَهُ بِمَالِهِ) وَهُوَ وَجْهُ الْمَنْعِ لِزُفَرَ لَكِنَّا أَجَزْنَاهُ (لِمَا فِيهِ مِنْ) فَائِدَةِ (اسْتِفَادَةِ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ) بَعْدَمَا كَانَتْ مُنْتَفِيَةً لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ عَنْهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُضَارِبِ (وَالِانْعِقَادُ يَتْبَعُ الْفَائِدَةَ فَفِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ) أَيْ الْمُضَارِبَ (وَكِيلٌ عَنْهُ) أَيْ عَنْ رَبِّ الْمَالِ (فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهٍ) وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ بَيْعِهِ مِنْهُ، كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْوَكِيلِ مِنْ مُوَكِّلِهِ مَا وَكَّلَهُ بِشِرَائِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُ وَتَصَرُّفُهُ فِيهِ جَائِزٌ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ هُوَ مَالُ الْمُضَارِبِ حَتَّى إذَا اشْتَرَى لَا يَجُوزُ حَجْرُ رَبِّ الْمَالِ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ، وَلَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ جَارِيَةً لَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْمَالِ وَطْؤُهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ (فَاعْتُبِرَ الْبَيْعُ الثَّانِي عَدَمًا فِي نِصْفِ الرِّبْحِ) الَّذِي هُوَ حِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ بِمِثْلِ مَا ذَكَرْنَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا فَيَبِيعُهُ عَلَى أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ لِلِاحْتِيَاطِ، وَعَلَى حِصَّةِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا يُتَّهَمُ فِيهِ، وَلَوْ اشْتَرَيَا سِلْعَةً فَاقْتَسَمَاهَا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً عَلَى حِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ، إنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ اسْتِيفَاءً مَحْضًا كَالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ جَازَ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً، وَإِنْ كَانَتْ مُبَادَلَةً كَالْأَشْيَاءِ الْمُتَفَاوِتَةِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً لِابْتِنَائِهِ عَلَى التَّقْوِيمِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فِي الْمُرَابَحَةِ كَمَا ذَكَرْنَا.

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَاعْوَرَّتْ أَوْ وَطِئَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً وَلَا يُبَيِّنُ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَبِسْ عِنْدَهُ شَيْئًا يُقَابِلُهُ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ تَابِعَةٌ لَا يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ، وَلِهَذَا لَوْ فَاتَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَا مَنَافِعُ الْبُضْعِ لَا يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ، وَالْمَسْأَلَةُ فِيمَا إذَا لَمْ يُنْقِصْهَا الْوَطْءُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يَبِيعُ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، كَمَا إذَا احْتَبَسَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ قول الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ (فَأَمَّا إذَا فَقَأَ عَيْنَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ فَقَأَهَا أَجْنَبِيٌّ فَأَخَذَ أَرْشَهَا لَمْ يَبِعْهَا مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ)؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ فَيُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَا إذَا وَطِئَهَا وَهِيَ بِكْرٌ لِأَنَّ الْعُذْرَةَ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ وَقَدْ حَبَسَهَا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَاعْوَرَّتْ) أَيْ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ بَلْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِصُنْعِهَا بِنَفْسِهَا (يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً وَلَا يُبَيِّنُ) أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِذَلِكَ الثَّمَنِ وَلَيْسَ بِهَا هَذَا الْعَوَرُ (وَ) كَذَا لَوْ (وَطِئَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ) وَلَمْ يُنْقِصْهَا الْوَطْءُ، وَهَذَا (لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا) جُزْءٌ مِنْ (الثَّمَنِ)؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ مَا لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً بِالْإِتْلَافِ (وَلِهَذَا لَوْ فَاتَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ) إلَى الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْعَقْدِ (لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَا مَنَافِعُ الْبُضْعِ لَا يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ مَا إذَا اعْوَرَّتْ الْجَارِيَةُ أَنَّهُ لَا يَبِيعُ مُرَابَحَةً (مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، كَمَا إذَا احْتَبَسَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ قول الشَّافِعِيِّ) وَزُفَرَ، وَالِاحْتِبَاسُ بِفِعْلِهِ مَحَلُّ الِاتِّفَاقِ كَمَا ذَكَرَهُ بِقولهِ (وَأَمَّا إذَا فَقَأَ عَيْنَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ فَقَأَهَا أَجْنَبِيٌّ) بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ (فَأَخَذَ أَرْشَهَا لَمْ يَبِعْهَا مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ) وَالتَّقْيِيدُ بِفَقْءِ الْمُشْتَرِي وَالْأَجْنَبِيِّ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ فَقَأَتْ عَيْنَهَا بِنَفْسِهَا فَإِنَّهُ كَمَا بِالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ هَدَرٌ فَلَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي حَابِسًا شَيْئًا، وَأَخْذُ الْأَرْشِ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ إذَا أَعْوَرَهَا الْأَجْنَبِيُّ لَا يُرَابِحُ إلَّا بِبَيَانٍ لِتَحَقُّقِ وُجُوبِ الضَّمَانِ، وَالْفَرْقُ لَنَا (أَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ) فَخَرَجَ عَنْ التَّبَعِيَّةِ بِالْقَصْدِيَّةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ (فَيُقَابَلُ بِبَعْضِ الثَّمَنِ، وَكَذَا إذَا وَطِئَهَا وَهِيَ بِكْرٌ؛ لِأَنَّ الْعَذِرَةَ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ يُقَابِلُهُمَا الثَّمَنُ وَقَدْ حَبَسَهَا).

متن الهداية:
(وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَأَصَابَهُ قَرْضُ فَأْرٍ أَوْ حَرْقُ نَارٍ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، وَلَوْ تَكَسَّرَ بِنَشْرِهِ وَطَيِّهِ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ) وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّاهُ.
الشَّرْحُ:
(وَ) مِنْ هَذَا (لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَأَصَابَهُ قَرْضُ فَأْرٍ أَوْ حَرْقُ نَارٍ) أَوْ طَعَامًا فَتَغَيَّرَ (يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ) وَقَرْضٌ بِالْقَافِ وَذَكَرَ أَبُو الْيُسْرِ بِالْفَاءِ (وَلَوْ تَكَسَّرَ) الثَّوْبُ (بِطَيِّهِ وَنَشْرِهِ) لَزِمَهُ الْبَيَانُ؛ لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَقول زُفَرَ أَجْوَدُ وَبِهِ نَأْخُذُ وَاخْتِيَارُهُ هَذَا حَسَنٌ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْمُرَابَحَةِ عَلَى عَدَمِ الْخِيَانَةِ وَعَدَمُ ذِكْرِهِ أَنَّهَا انْتَقَصَتْ إيهَامٌ لِلْمُشْتَرِي أَنَّ الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ كَانَ لَهَا نَاقِصَةً، وَالْغَالِبُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ ثَمَنُهَا صَحِيحَةً لَمْ يَأْخُذْهَا مَعِيبَةً إلَّا بِحَطِيطَةٍ، وَقَدْ ذَكَرَ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّ سَبَبَ شَرْعِيَّةِ الْمُرَابَحَةِ اعْتِمَادُ الْغَبِيِّ أَنَّ الثَّمَنَ قِيمَتُهَا حَيْثُ اشْتَرَى مَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِهِ فَيَطِيبُ قَلْبُهُ بِشِرَائِهَا بِهِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ لِظَنِّهِ أَنَّهُ قِيمَتُهَا، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا يَرُومُ شِرَاءَهَا إلَّا بِقِيمَتِهَا كَيْ لَا يُغْبَنَ، وَأَنَّهُ لَوْ عَلِمَهُ لَمْ يَرْضَ فَكَانَ سُكُوتُهُ تَقْرِيرًا لَهُ، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا مَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ ذَلِكَ إذَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ شَيْئًا يَسِيرًا.
فَإِنْ نَقَصَهُ قَدْرًا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً، يَعْنِي بِلَا بَيَانٍ، لَكِنَّ قولهُمْ هُوَ كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ السِّعْرُ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ فِي حَالِ غَلَائِهِ، وَكَذَا لَوْ اصْفَرَّ الثَّوْبُ لِطُولِ مُكْثِهِ أَوْ تَوَسَّخَ إلْزَامٌ قَوِيٌّ، وَاسْتَشْكَلَ عَلَى قولهِ الْفَائِتِ وَصْفٌ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ الْمُشْتَرَى بِأَجَلٍ فَإِنَّ الْأَجَلَ وَصْفٌ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً بِلَا بَيَانٍ، أُجِيبُ أَنَّ الْأَجَلَ يُعْطَى لِأَجْلِهِ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ عَادَةً فَيَكُونُ كَالْجُزْءِ فَيَلْزَمُهُ الْبَيَانُ، وَعَلَى قولهِ مَنَافِعُ الْبُضْعِ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ مَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ رَدِّهَا، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَقْتَ الشِّرَاءِ وَذَلِكَ لِاعْتِبَارِ الْمُشْتَرِي بِالْوَطْءِ حَابِسًا جُزْءًا مِنْ الْمَبِيعِ عِنْدَهُ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ عَدَمَ الرَّدِّ فِي هَذَا لَيْسَ لِمَا ذَكَرْت بَلْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهَا فَإِمَّا مَعَ الْعُقْرِ احْتِرَازًا عَنْ الْوَطْءِ مَجَّانًا أَوْ مِنْ غَيْرِ عُقْرٍ، لَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ لِعَوْدِ الْجَارِيَةِ مَعَ زِيَادَةٍ وَالزِّيَادَةُ تَمْنَعُ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَى الزِّيَادَةِ، وَلَا إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا تَعُودُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ، وَيُسَلِّمُ الْمُشْتَرِي الْوَطْءَ بِلَا عِوَضٍ بِاعْتِبَارِ الْبَيْعِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْوَاهِبِ إذَا رَجَعَ بَعْدَ وَطْءِ الْمَوْهُوبِ لَهُ حَيْثُ يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا تُسَلَّمُ كُلُّهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِلَا عِوَضٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُسَلَّمَ لَهُ الْوَطْءُ بِلَا عِوَضٍ، وَلَا يَجُوزُ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ أَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ وَيُسَلَّمَ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِلْبَائِعِ زِيَادَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ شَيْءٌ وَجَبَ بِإِتْلَافِ الْعَيْنِ كَالْوَلَدِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ فَكَذَا الْوَطْءُ، فُرُوعٌ:
لَوْ أَصَابَ مِنْ غَلَّةِ الدَّارِ أَوْ الدَّابَّةِ شَيْئًا رَابَحَ بِلَا بَيَانٍ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ لَيْسَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْعَيْنِ إنَّمَا هُوَ اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةٍ وَاسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ لَا يَمْنَعُ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَصَابَ مِنْ لَبَنِ الْغَنَمِ وَصُوفِهَا، فَإِنَّهُ إذَا رَبِحَ يَسْقُطُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ قَدْرُ مَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ وَيَقول قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَنْفَقَ فِي طَعَامِ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ فِي غَيْرِ السَّرَفِ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ أَوْ الْغَنَمُ أَوْ أَثْمَرَ النَّخِيلُ يَبِيعُ الْأَصْلَ مَعَ الزِّيَادَةِ مُرَابَحَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْبِسْ شَيْئًا مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ نُقْصَانَ الْوِلَادَةِ بِغَيْرِ فِعْلٍ ثُمَّ الزِّيَادَةُ تَجْبُرُهُ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْمُشْتَرِي الزِّيَادَةَ لَمْ يَبِعْ الْأَصْلَ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ مَا أَصَابَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْعَيْنِ وَالْمُتَوَلِّدُ كَجُزْءِ الْمَبِيعِ، وَكَذَا إذَا اسْتَهْلَكَ الْأَلْبَانَ وَالسَّمْنَ فَإِنَّهُ لَا يُرَابِحُ إلَّا بِبَيَانٍ، وَفِي الْمَبْسُوطِ: اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ بِمِائَةٍ وَاشْتَرَى آخَرُ نِصْفَهُ بِمِائَتَيْنِ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً أَوْ تَوْلِيَةً أَوْ وَضِيعَةً قَالَ بَيْنَهُمَا ثَلَاثًا وَلَوْ بَاعَهُ مُسَاوَمَةً يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى فِيهِ بِمُقَابَلَةِ الْمِلْكِ، وَلِهَذَا اسْتَوَى فِيهِ الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبُ وَبَيْعُهُمَا فِي الْعَبْدِ سَوَاءٌ، بِخِلَافِ تِلْكَ الْعُقُودِ فَإِنَّ الثَّمَنَ فِيهَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَوْ حَطَّ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَمَا بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مُرَابَحَةً فَإِنَّهُ يَحُطُّ ذَلِكَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْآخَرِ مَعَ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ وَلَوْ كَانَ وَلَّاهُ حَطَّ ذَلِكَ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لَا يُحَطُّ عَنْ الثَّانِي بِهَذَا السَّبَبِ شَيْءٌ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْحَطَّ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا، بَلْ هُوَ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ، وَكَذَا الزِّيَادَةُ عِنْدَنَا حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّ الْعَقْدَ عَقْدٌ بِمَا بَقِيَ فَيَثْبُتُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَالْمُوَكِّلِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ حَطَّ الْكُلَّ فِي الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى كُلِّ الثَّمَنِ وَيُوَلِّيَهُ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَنْ اشْتَرَى غُلَامًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً فَبَاعَهُ بِرِبْحِ مِائَةٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَعَلِمَ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَإِنْ شَاءَ قَبِلَ)؛ لِأَنَّ لِلْأَجَلِ شَبَهًا بِالْمَبِيعِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُزَادُ فِي الثَّمَنِ لِأَجْلِ الْأَجَلِ، وَالشُّبْهَةُ فِي هَذَا مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ وَبَاعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً بِثَمَنِهِمَا، وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْمُرَابَحَةِ يُوجِبُ السَّلَامَةَ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْخِيَانَةِ فَإِذَا ظَهَرَتْ يُخَيَّرُ كَمَا فِي الْعَيْبِ (وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ عَلِمَ لَزِمَهُ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ)؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، قَالَ: (فَإِنْ كَانَ وَلَّاهُ إيَّاهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ رَدَّهُ إنْ) شَاءَ؛ لِأَنَّ الْخِيَانَةَ فِي التَّوْلِيَةِ مِثْلُهَا فِي الْمُرَابَحَةِ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ (وَإِنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ عَلِمَ لَزِمَهُ بِأَلْفٍ حَالَّةٍ) لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَرُدُّ الْقِيمَةَ وَيَسْتَرِدُّ كُلَّ الثَّمَنِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا اسْتَوْفَى الزُّيُوفَ مَكَانَ الْجِيَادِ وَعَلِمَ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ، وَسَيَأْتِيك مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقِيلَ يُقَوَّمُ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَبِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَيَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَجَلُ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ وَلَكِنَّهُ مُنَجَّمٌ مُعْتَادٌ قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ، وَقِيلَ يَبِيعُهُ وَلَا يُبَيِّنُهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ حَالٌّ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ اشْتَرَى غُلَامًا) أَوْ غَيْرَهُ (بِأَلْفٍ نَسِيئَةً فَبَاعَهُ بِرِبْحِ مِائَةٍ) وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ نَسِيئَةً بِالْأَلْفِ (فَعَلِمَ الْمُشْتَرِي) بِذَلِكَ (فَـ) لَهُ الْخِيَارُ (إنْ شَاءَ رَدَّهُ وَإِنْ شَاءَ قَبِلَ) بِالْأَلْفِ وَالْمِائَةُ حَالَّةٌ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ (لِأَنَّ لِلْأَجَلِ شَبَهًا بِالْمَبِيعِ)؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُزَادُ فِي الثَّمَنِ لِأَجْلِهِ، (وَالشُّبْهَةُ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فَكَانَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ) بِالْأَلْفِ (وَبَاعَ أَحَدَهُمَا) بِهَا عَلَى وَجْهِ الْمُرَابَحَةِ، وَهَذَا خِيَانَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ مَبِيعًا حَقِيقَةً، فَإِذَا كَانَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ يُشْبِهُ الْمَبِيعَ يَكُونُ هَذَا شُبْهَةَ الْخِيَانَةِ وَشُبْهَةُ الْخِيَانَةِ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِي الْمُرَابَحَةِ.
(فَإِذَا ظَهَرَتْ يُخَيَّرُ) عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَلَوْ فُرِّعَ عَلَى قول أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ يُحَطَّ مِنْ الثَّمَنِ مَا يُعْرَفُ أَنَّ مِثْلَهُ فِي هَذَا يُزَادُ لِأَجْلِ الْأَجَلِ، هَذَا إذَا عَلِمَ الْخِيَانَةَ قَبْلَ هَلَاك الْمَبِيعِ (فَلَوْ عَلِمَ) بَعْدَمَا هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ (لَزِمَهُ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ حَالَّةٍ)؛ لِأَنَّ (الْأَجَلَ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ) حَقِيقَةً وَاَلَّذِي كَانَ ثَابِتًا لَهُ مُجَرَّدَ رَأْيٍ وَقَدْ تَعَذَّرَ بَعْدَ هَلَاكِهِ وَهَكَذَا (لَوْ كَانَ وَلَّاهُ إيَّاهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ) أَنَّهُ اشْتَرَاهُ إلَى أَجَلٍ فَعَلِمَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْهَلَاكِ: يَعْنِي يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الرَّدِّ وَقَبُولُهُ بِالْأَلْفِ الْحَالَّةِ، وَلَوْ فُرِّعَ عَلَى قول أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ مَا ذَكَرْنَا (وَإِنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ عَلِمَ لَزِمَهُ بِأَلْفٍ حَالَّةٍ لِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّ الْأَجَلَ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ حَقِيقَةً (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ) بَعْدَ الْهَلَاكِ (يَرُدُّ الْقِيمَةَ وَيَسْتَرِدُّ كُلَّ الثَّمَنِ وَهُوَ نَظِيرُ) قولهِ فِي (مَا إذَا اسْتَوْفَى) صَاحِبُ الدَّيْنِ مِنْ دَائِنِهِ (مَكَانَ) الدَّيْنِ (الْجِيَادِ زُيُوفًا) وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِزِيَافَتِهَا حَتَّى أَنْفَقَهَا فَإِنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرُدُّ مِثْلَهَا مِنْ الزُّيُوفِ وَيَسْتَرِدُّ الْجِيَادَ (وَسَيَأْتِيكَ) إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ (وَقِيلَ يُقَوَّمُ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَبِمُؤَجَّلٍ فَيَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا) عَلَى الْبَائِعِ، قَالَهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَجَلُ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ وَلَكِنَّهُ مُعْتَادُ التَّنْجِيمِ قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ، وَقِيلَ يَبِيعُهُ وَلَا يُبَيِّنُهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ) مَا كَانَ إلَّا (حَالًّا) فِي الْعَقْدِ، أَمَّا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ بَاعَهُ بِلَا شَرْطِ أَجَلٍ فَلَمْ يَنْقُدْهُ إلَى شَهْرٍ مَطْلًا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِالْأَلْفِ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَنْ وَلَّى رَجُلًا شَيْئًا بِمَا قَامَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِكَمْ قَامَ عَلَيْهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ (فَإِنْ أَعْلَمَهُ الْبَائِعُ، يَعْنِي فِي الْمَجْلِسِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ)؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ لَمْ يَتَقَرَّرْ، فَإِذَا حَصَلَ الْعِلْمُ فِي الْمَجْلِسِ جُعِلَ كَابْتِدَاءِ الْعَقْدِ وَصَارَ كَتَأْخِيرِ الْقَبُولِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَبَعْدَ الِافْتِرَاقِ قَدْ تَقَرَّرَ فَلَا يُقْبَلُ الْإِصْلَاحُ، وَنَظِيرُهُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِرَقْمِهِ إذَا عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ، وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الرِّضَا لَمْ يَتِمَّ قَبْلَهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ فَيَتَخَيَّرُ كَمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ وَلَّى رَجُلًا شَيْئًا بِمَا قَامَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِكَمْ قَامَ عَلَيْهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ، فَإِنْ أَعْلَمَهُ الْبَائِعُ: يَعْنِي فِي الْمَجْلِسِ) مَا قَامَ بِهِ عَلَيْهِ (فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ رَدَّ الْبَيْعَ، وَإِنْ شَاءَ قَبِلَ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ) وَإِنْ كَانَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لَكِنَّهُ (لَمْ يَتَقَرَّرْ) إنَّمَا يَتَقَرَّرُ بِمُضِيِّ الْمَجْلِسِ، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ وَنَحْوَهُ مِنْ الْبَيْعِ بِرَقْمِهِ قَبْلَ مَعْرِفَةِ الرَّقْمِ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا لَهُ عَرْضِيَّةُ الصِّحَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ صَحِيحٌ لَهُ عَرْضِيَّةُ الْفَسَادِ، وَلَمَّا كَانَ الْمَجْلِسُ جَامِعًا لِلْمُتَفَرِّقَاتِ يُعْتَبَرُ الْوَاقِعُ فِي أَطْرَافِهِ كَالْوَاقِعِ مَعًا كَانَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ: أَيْ بَيَانِ قَدْرِ الثَّمَنِ (كَتَأْخِيرِ الْقَبُولِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَتَّصِلُ بِالْإِيجَابِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْمَجْلِسِ، كَذَا هَذَا يَكُونُ سُكُوتُهُ عَنْ تَعْيِينِ الثَّمَنِ فِي تَحَقُّقِ الْفَسَادِ مَوْقُوفًا إلَى آخِرِهِ، فَإِنْ تَبَيَّنَ فِيهِ اتَّصَلَ بِالْإِيجَابِ الَّذِي سَكَتَ فِيهِ عَنْهُ، وَإِنْ انْقَضَى قَبْلَهُ تَقَرَّرَ الْفَسَادُ فَلَا يَنْقَلِبُ بَعْدَهُ صَحِيحًا (وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ) بَعْدَ الْعِلْمِ فِي الْمَجْلِسِ (لِأَنَّ الرِّضَا لَمْ يَتِمَّ قَبْلَهُ) فَلَمْ يَتِمَّ الْبَيْعُ (كَمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ) لَمْ يَتِمَّ الرِّضَا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَعِنْدَ وُجُودِهَا يَتَخَيَّرُ.
فُرُوعٌ:
اشْتَرَى ثَوْبًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى ذِرَاعٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى ذُرْعَانِهِ، وَلَوْ رَابَحَ عَلَى مَالِهِ نِسْبَةً مَعْلُومَةً مِنْهُ كَنِصْفِهِ ثُلُثُهُ ثَمَنُهُ جَازَ.
وَلَوْ اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ بِمِائَةٍ ثُمَّ اشْتَرَى النِّصْفَ الْآخَرَ بِمِائَتَيْنِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ أَيَّ النِّصْفَيْنِ شَاءَ مُرَابَحَةً عَلَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ بَاعَ كُلَّهُ مُرَابَحَةً عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ، وَيَقول قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ الْبَائِعُ الثَّمَنَ كُلَّهُ فَلَهُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى الثَّمَنِ كُلِّهِ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ أَوْ حَطَّ عَنْهُ بَعْضَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرَابِحَ إلَّا عَلَى مَا بَقِيَ وَلَوْ بَاعَهُ الثَّمَنَ عَرْضًا أَوْ أَعْطَى بِهِ رَهْنًا فَهَلَكَ كَانَ لَهُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَلَوْ اشْتَرَى بِعَشَرَةٍ جِيَادٍ وَنَقَدَهُ زُيُوفًا فَتَجَوَّزَ بِهَا الْبَائِعُ فَلَهُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى عَشَرَةٍ جِيَادٍ، وَلَوْ وَهَبَ مَا اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ رَجَعَ فِيهِ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْعَشَرَةِ، وَكَذَا إنْ بَاعَهُ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ أَوْ فَسَادِ بَيْعٍ أَوْ خِيَارٍ أَوْ إقَالَةٍ لَهُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي كَانَ اشْتَرَى بِهِ.
وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَبَاعَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً؛ لِأَنَّهُ مَا عَادَ إلَى الْمِلْكِ الْمُسْتَفَادِ بِالشِّرَاءِ الْأَوَّلِ.
وَلَوْ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا فَرَضِيَ بِهِ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهُ خِيَارٌ فَإِسْقَاطُهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ مُرَابَحَةً كَمَا لَوْ كَانَ فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى مُرَابَحَةً فَاطَّلَعَ عَلَى خِيَانَةٍ فَرَضِيَ بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا أَخَذَهُ بِهِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الثَّابِتَ لَهُ مُجَرَّدُ خِيَارٍ.
وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَوْ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى إنْسَانٍ وَهُوَ لَا يَشْتَرِي بِذَلِكَ الْقَدْرِ بِالْغَبْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، وَلَوْ اشْتَرَى بِالدَّيْنِ مَا يُبَاعُ بِمِثْلِهِ جَازَ أَنْ يُرَابِحَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَخَذَهُ بِلَفْظِ الشِّرَاءِ أَوْ بِلَفْظِ الصُّلْحِ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُفَرَّقُ بَيْنَ الصُّلْحِ وَالشِّرَاءِ لِمَا تَقَدَّمَ، لَكِنَّ الْوَجْهَ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ ثَمَنُهُ وَجَبَ أَنْ يُرَابِحَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَنْعَ الْمُرَابَحَةِ مَا كَانَ إلَّا لِتُهْمَةِ الْحَطِيطَةِ، فَإِذَا تَيَقَّنَ انْتِفَاءَهَا ارْتَفَعَ الْمَانِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ اشْتَرَيَا رِزْمَةَ ثِيَابٍ فَاقْتَسَمَاهَا لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبِيعَ مَا خَصَّهُ مُرَابَحَةً، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَيَا مَكِيلًا جِنْسًا وَاحِدًا فَاقْتَسَمَاهُ حَيْثُ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَلَوْ اشْتَرَى الرِّزْمَةَ وَاحِدٌ فَقَوَّمَهَا ثَوْبًا ثَوْبًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ ثَوْبًا مِنْهَا مُرَابَحَةً عَلَى مَا قُوِّمَ إلَّا مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُ يَقول: قِيمَةُ هَذَا أَلْفٌ أَوْ قُوِّمَ هَذَا بِكَذَا أَوْ أَنَا أَبِيعُك مُرَابَحَةً عَلَى هَذِهِ الْقِيمَةِ كَمَا مَرَّ فِي الرَّقْمِ بِأَزْيَدَ مِنْ ثَمَنِهِ، أَمَّا لَوْ أَسْلَمَ فِي ثَوْبَيْنِ وَوَصَفَهُمَا بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً عَلَى نِصْفِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ، وَلَوْ بَاعَهُ نِصْفَ مَا اشْتَرَاهُ مُرَابَحَةً عَلَى نِصْف ثَمَنِهِ إنْ كَانَ ثَوْبًا وَاحِدًا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَهُوَ جِنْسٌ وَاحِدٌ كَطَعَامٍ أَكَلَ نِصْفَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِانْقِسَامِ الثَّمَنِ عَلَيْهِ بِالْإِجْزَاءِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ انْقِسَامَهُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ بِاعْتِبَارِ الْأَوْصَافِ: أَعْنِي الذُّرْعَانَ، وَلَا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ بِاعْتِبَارِهَا، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُرَابِحَ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ، وَلَوْ اشْتَرَى ثِيَابًا صَفْقَةً وَاحِدَةً كُلُّ ثَوْبٍ بِكَذَا فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ كُلَّ وَاحِدٍ مُرَابَحَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُرَابِحُ حَتَّى يُبَيِّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مَعَ غَيْرِهِ، وَلَوْ بَاعَهُ بِوَضِيعَةِ ده يازده فَطَرِيقُهُ أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ دِرْهَمٍ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا، فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ عَشَرَةً فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ مِائَةً وَعَشَرَةً فَتَسْقُطُ عَشَرَةٌ فَيَصِيرُ جُمْلَةُ الثَّمَنِ تِسْعَةً وَجُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ.